همسات
القطار
بقلم : نيفين فخر الدين
جلست منى بجوار نافذة القطار تراقب المنظر بالخارج و الارض تجرى بجوارها و المناظر تتغير بسرعة و كانها الدنيا باحوالها المتقلبة ثم بدا القطار فى تهدئة سرعته و اصوات العجلات ترتفع و تصدر صريرا عاليا حتى توقف تماما فنظرت منى حولها لتجد الركاب و قد بدأوا فى النزول من القطار ، ترددت تنزل ام تظل منتظرة ان يتحرك القطار مرة اخرى ، فهى وحيدة و ان نزلت لتجلس فى مكان ما ستكون وحيدة ايضا ، و لكنها قررت ان تنزل لما شعرت بآلام الظهر كالعادة من طول الجلوس
سارت منى وسط الناس خائفة يتملكها الشعور بالرهبة من الزحام حولها فهى تكرهه و تخافه ، و كذلك كون الظروف اجبرتها ان تسافر وحدها لاول مرة بعد ان اضطرت للمكوث فى القاهرة يومان بسبب ظروف عملها لتلحق باهلها فى الاسكندرية لتمضية اسبوع اجازة هناك ، ثم وجدت كافتيريا جميلة داخل المحطة فاختارت طاولة فى زاوية بعيدة و جلست و عينيها على الساعة فى يدها … ثم فجأة ظهر امامها رجل قمحى اللون عيناه سوداء له انف دقيق و لحية و شعر خفيف و يبدو فى العقد الثالث من العمر يرتدى قميصا و بنطالونا لونهما متناسقان ثم نظر اليها بوجه طيب وابتسامة هادئة و استأذنها ان يأخذ حقيبة اللاب توب التى تركها تحت الطاولة التى تجلس اليها و ذهب ليشترى السجائر ، اعتذرت له فهى لم ترها و اعطته الحقيبة ثم استأذنها ان كانت تقبل ان تدعه يتناول قهوته على طاولته التى احتلتها هى لان الكافيه مزدحم ، فرحبت و هى كلها خجل من تصرفها هذا و لكنه كان مبتسما و هو يتحدث اليها بكلمات مهذبة و ضحكات من القلب فرفع عنها الشعور بالاحراج بخفة ظله و بحديثه الشيق عن عمله و عن مواقفه فى حياته التى تعرض لها ، منها المواقف الصعبة و المبكية و المضحكة ثم اعطاها موبايله لتشاهد بعض صور لاقاربه و اصدقائه ، شعرت منى بالارتياح له و الطمأنينة و كانت سعيدة جدا بمعلوماته الغزيرة و بحكاياته و تفاصيله و حتى اسهابه فى حديثه كانت مستمتعة به فهى تعشق التفاصيل و بالصدفة كانت اهتماماتهما واحدة ، ثم مرت الدقائق سريعة و فجأة هم بالنهوض و اخبرها انه يجب ان يذهب ليلحق بقطاره ، تسمرت منى فى مكانها فهى كالطفلة الصغيرة لم تحسب حساب اللحظة التالية ، فقد ودت لو تعطل القطار و جلس معها مدة اطول لتستمع اليه اكثر واكثر و لكن كان لا بد من ان ينتهى الحوار و ينتهى اللقاء ، ثم نهض و حياها و سار مبتعدا و اختفى وسط الزحام … نظرت منى حولها فوجدت الناس قد بدات فى التحرك الى القطار فلملمت اغراضها و سارت وسط الركاب وحيدة كما جاءت