مقالات

الشللية في بيئة العمل أزمة لابد من مواجهتها والتعامل معها

بقلم : م. أحمد محمد فكري زلط

 

تُعد بيئة العمل الصحية والمنتجة أساسًا لنجاح أي مؤسسة، حيث تُسهم في تحقيق الأهداف، وتعزيز الابتكار، ورفع معنويات الموظفين. ومع ذلك، قد تتخلل هذه البيئات ظواهر سلبية تؤثر على فعاليتها، ومن أبرزها ظاهرة #الشللية. تُعرف #الشللية بأنها تكوّن مجموعات غير رسمية داخل بيئة العمل، تعمل غالبًا لتحقيق مصالح شخصية لأفرادها على حساب المصلحة العامة للمؤسسة. هذه الظاهرة، التي قد تتفاوت حدتها من مكان لآخر، يمكن أن تسبب تدهورًا في الأداء، وتفشيًا للإحباط، وتآكلًا للثقة بين الزملاء والإدارة. إن فهم هذه الظاهرة، وتحليل أسبابها وآثارها، وكيفية التعامل معها، أصبح أمرًا ضروريًا لضمان بيئات عمل عادلة ومحفزة.

 

والشللية في بيئة العمل هي ظاهرة اجتماعية وإدارية تتمثل في تشكيل مجموعات صغيرة أو “شِلل” داخل المؤسسة، تتسم بالولاء المتبادل بين أفرادها، وغالبًا ما يكون هذا الولاء موجهًا نحو تحقيق مصالح شخصية أو جماعية لأعضاء الشلة، حتى لو تعارض ذلك مع أهداف المؤسسة أو مبادئ العدالة والمساواة. يمكن وصف #الشللية بأنها “نظام غير رسمي” يعمل بالتوازي مع الهيكل التنظيمي الرسمي، وقد يؤدي إلى تقويض هذا الهيكل.

 

ومن المهم التمييز والتفريق بين الشللية السلبية والعمل الجماعي الإيجابي. فالعمل الجماعي هو تعاون بنّاء بين أفراد الفريق لتحقيق أهداف مشتركة للمؤسسة، ويقوم على الشفافية، وتبادل المعرفة، ودعم بعضهم البعض بشكل مهني. 

 

أما الشللية، فتتميز بالآتي:

 

 الاستبعاد: غالبًا ما تستبعد الشلة الأفراد من خارج مجموعتها من المعلومات، أو النقاشات، أو الفرص، مما يخلق شعورًا بالعزلة والإقصاء لدى الآخرين.

 

  المصالح الشخصية: يكون الهدف الأساسي للشلة هو تعزيز مكانة أفرادها، أو الحصول على امتيازات، أو حماية بعضهم البعض، حتى لو كان ذلك على حساب الكفاءة أو الأداء.

 

  التكتم على الأخطاء: قد يتكتم أفراد الشلة على أخطاء بعضهم البعض، أو يدافعون عنهم بشكل غير مبرر، مما يؤثر سلبًا على جودة العمل والمساءلة.

 

  الولاء الأعمى: يطغى الولاء للشلة على الولاء للمؤسسة أو للمبادئ المهنية، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير موضوعية.

 

وقد تظهر سلوكيات الشللية في صور متعددة منها:

 تفضيل أفراد الشلة في توزيع المهام أو المشاريع، بغض النظر عن كفاءة الآخرين.

 

 نشر الشائعات أو المعلومات المضللة عن الموظفين خارج الشلة.

 

 تجاهل آراء أو مقترحات الموظفين غير المنتمين للشلة.

 

 تشكيل جبهة موحدة ضد أي شخص يحاول كشف ممارسات الشلة أو تحديها.

 

 التأثير على قرارات التوظيف، أو الترقية، أو التقييم لصالح أفراد الشلة.

 

وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى نشأة وتفشي ظاهرة الشللية في بيئات العمل، ويمكن إجمالها في النقاط التالية:

 

1. غياب الشفافية والعدالة

 

يُعد غياب الشفافية في آليات التقييم، والترقية، وتوزيع المهام، واتخاذ القرارات، من أهم العوامل التي تفتح الباب أمام الشللية. عندما لا تكون المعايير واضحة وموضوعية، يميل الأفراد إلى الاعتماد على العلاقات الشخصية والولاءات للحصول على المزايا، مما يخلق بيئة خصبة لتكوين الشلل. 

 

2. ضعف الإدارة وعدم وضوح الأدوار

 

الإدارة الضعيفة أو غير الفعالة التي لا تضع حدودًا واضحة للمسؤوليات والصلاحيات، أو لا تتابع الأداء بشكل منتظم، تساهم في تفشي الشللية. فعدم وضوح الأدوار والمسؤوليات يؤدي إلى تشتت الجهود، ويسمح لأفراد الشلة بالتحكم في مسارات العمل وتوجيهها بما يخدم مصالحهم .

 

3. الفراغ الوظيفي وعدم وجود مهام واضحة

 

في بعض الأحيان، قد ينشأ الفراغ الوظيفي أو عدم وجود مهام واضحة ومحددة للموظفين، مما يدفعهم إلى قضاء وقتهم في تكوين علاقات اجتماعية غير منتجة، والتي قد تتطور إلى شلل تهدف إلى ملء هذا الفراغ أو تحقيق مصالح شخصية .

 

4. المصالح الشخصية والرغبة في السيطرة

 

يسعى بعض الأفراد إلى تكوين الشلل لتحقيق مصالح شخصية، مثل الحصول على ترقيات غير مستحقة، أو حماية أنفسهم من المساءلة، أو السيطرة على موارد المؤسسة. هذه الرغبة في السيطرة والنفوذ تدفعهم إلى استغلال العلاقات الشخصية وتكوين تحالفات داخلية.

 

5. الخوف من المنافسة أو عدم الثقة بالنفس

 

قد يلجأ بعض الموظفين إلى الانضمام إلى الشلل كآلية دفاعية لمواجهة الخوف من المنافسة أو الشعور بعدم الثقة بالنفس. فمن خلال الانتماء إلى مجموعة، يشعرون بالأمان والدعم، مما يمكنهم من التغلب على نقاط ضعفهم أو إخفائها.

 

6. الخلفيات الاجتماعية أو الثقافية المشتركة

 

في بعض الحالات، قد تتكون الشلل بناءً على خلفيات اجتماعية، أو ثقافية مشتركة بين الموظفين. هذه الروابط، وإن كانت طبيعية في سياقها الاجتماعي، قد تتحول إلى تحزبات داخل بيئة العمل إذا ما تم استغلالها لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة.

 

الآثار السلبية للشللية على بيئة العمل

تترك ظاهرة الشللية آثارًا سلبية عميقة على بيئة العمل، مما يؤثر على الأفراد والمؤسسات على حد سواء. من أبرز هذه الآثار:

 

1. تدهور الإنتاجية والجودة

 

2. انتشار الإحباط وعدم الثقة بين الموظفين

 

3. قتل الإبداع والكفاءات

 

4. عرقلة تحقيق أهداف المؤسسة

 

5. زيادة التوتر والصراعات الداخلية في بيئة العمل 

 

6. هجرة الكفاءات المتميزة والبحث عن فرص عمل في أماكن أخرى

 

وللحد من ظاهرة_الشللية وآثارها السلبية، يتطلب الأمر جهودًا مشتركة من الإدارة والموظفين:

 

1. دور الإدارة

 

تتحمل الإدارة مسؤولية كبرى في مكافحة الشللية من خلال:

 

 تعزيز الشفافية: وضع سياسات وإجراءات واضحة وشفافة للتوظيف، والترقية، والتقييم، وتوزيع المهام. يجب أن تكون هذه السياسات معلنة ومطبقة بصرامة على الجميع دون استثناء.

 

 تطبيق العدالة والمساواة: ضمان معاملة جميع الموظفين بإنصاف، وتقدير الأداء والكفاءة كمعيار أساسي للتقدم، وليس العلاقات الشخصية.

  وضوح الأدوار والمسؤوليات: تحديد المهام والمسؤوليات لكل موظف وفريق بوضوح، لتقليل الغموض الذي قد تستغله الشلل.

 

  التواصل الفعال: فتح قنوات اتصال مفتوحة بين الإدارة والموظفين، وتشجيع الحوار البناء، والاستماع إلى الشكاوى والمقترحات بجدية.

 

  القيادة بالقدوة: يجب أن يكون القادة قدوة في تطبيق مبادئ العدالة والشفافية، وأن يظهروا التزامًا حقيقيًا بمكافحة أي ممارسات شللية.

 

  التدريب والتطوير: الاستثمار في برامج تدريبية تعزز مهارات العمل الجماعي، والتواصل الفعال، وحل النزاعات، مما يقلل من الحاجة إلى تكوين الشلل.

 

2. دور الموظفين

 

لا يقتصر دور مكافحة الشللية على الإدارة فقط، بل يقع على عاتق الموظفين أيضًا:

 

  التركيز على الأداء: يجب على الموظفين التركيز على تطوير مهاراتهم وتحسين أدائهم، وعدم الانجرار وراء محاولات الانضمام إلى الشلل لتحقيق مكاسب غير مستحقة.

 

  عدم الانجرار وراء التحزبات: مقاومة الإغراء بالانضمام إلى الشلل، والتمسك بالمبادئ المهنية والأخلاقية.

 

  الإبلاغ عن الممارسات السلبية: في حال وجود آليات آمنة وموثوقة، يجب على الموظفين الإبلاغ عن أي ممارسات شللية أو غير عادلة تؤثر على بيئة العمل.

 

  تعزيز ثقافة العمل الجماعي الحقيقي: المساهمة في بناء بيئة عمل إيجابية تقوم على التعاون، والاحترام المتبادل، وتقدير جهود الجميع.

 

3. توفير قنوات اتصال مفتوحة

 

إنشاء آليات واضحة للموظفين للتعبير عن مخاوفهم، وتقديم الشكاوى، أو الإبلاغ عن الممارسات غير الأخلاقية دون خوف من الانتقام. يمكن أن تشمل هذه الآليات صناديق الاقتراحات، أو اجتماعات دورية مع الإدارة، أو حتى خطوط ساخنة سرية.

 

و يمكن القول إن ظاهرة الشللية في بيئة العمل تظهر بأشكال ودرجات متفاوتة في العديد من المؤسسات حول العالم، وتتأثر بعوامل ثقافية، وإدارية، واجتماعية. وهي ليست مجرد تصور، بل هي واقع يعاني منه الكثيرون، وتترتب عليه آثار سلبية حقيقية على الأفراد والمؤسسات. لذلك فهي موجودة كظاهرة اجتماعية وتنظيمية، وتتطلب فهمًا واعيًا ومعالجة فعالة للحد من تأثيراتها الضارة.

 

في الختام، تُعد ظاهرة الشللية في بيئة العمل تحديًا حقيقيًا يواجه العديد من المؤسسات، وتتطلب معالجة جادة وفعالة. إنها ليست مجرد مشكلة اجتماعية بسيطة، بل هي آفة يمكن أن تقوض الإنتاجية، وتقتل الإبداع، وتدمر الروح المعنوية للموظفين، وتعيق تحقيق الأهداف الاستراتيجية.

 

لمواجهة هذه الظاهرة، يجب على الإدارات تبني ثقافة الشفافية والعدالة، وتطبيق معايير موضوعية في جميع جوانب العمل، وفتح قنوات اتصال فعالة. كما يجب على الموظفين أنفسهم أن يدركوا خطورة الانجرار وراء هذه التحزبات، وأن يركزوا على الأداء المهني والتعاون البناء. إن بناء بيئة عمل صحية ومنتجة، تقوم على الاحترام المتبادل، والجدارة، والتعاون الحقيقي، هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع. فقط من خلال هذه الجهود المتضافرة يمكننا التغلب على الشللية، وضمان أن تكون بيئات 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى