حقوق الإنسان في إيطاليا: بين الوعود الدولية والواقع المُعاش

كتبت/ شيماء إبراهيم
تزامنًا مع اعتماد نتائج الاستعراض الدوري الشامل لإيطاليا خلال الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عاد الجدل الحقوقي في واحدة من أهم دول الاتحاد الأوروبي إلى الواجهة، في ظل تزايد القلق الدولي بشأن جملة من الانتهاكات التي لا تزال قائمة رغم التعهدات المتكررة من الحكومة الإيطالية.
ففي الوقت الذي تؤكد فيه إيطاليا التزامها بالمواثيق والمعايير الدولية، يتجلى واقع مغاير على الأرض، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المهاجرين وحرية الرأي والتعبير، ومظاهر التمييز ضد الأقليات، فضلًا عن استمرار العنف القائم على النوع الاجتماعي. هذه القضايا تسلط الضوء على فجوة ملحوظة بين الخطاب الرسمي والممارسات الفعلية، مما يثير تساؤلات حول جدية التزام الدولة بتحسين سجلها الحقوقي.
تُعد أوضاع مراكز احتجاز المهاجرين واحدة من أبرز النقاط المثيرة للقلق، حيث لا تزال تلك المراكز تتعرض لانتقادات واسعة من منظمات دولية ومحلية على خلفية الظروف غير الإنسانية التي يعانيها المحتجزون. من بين أبرز المشكلات: ضعف الرعاية الصحية، غياب الشفافية، واحتجاز الأفراد لفترات طويلة دون مسوغ قانوني واضح، وهو ما يشكل خرقًا للمعايير الدولية ويهدد بزيادة حدة التوتر المجتمعي وتصاعد موجات العنصرية.
في موازاة ذلك، تشهد مساحة الحريات المدنية في إيطاليا تراجعًا ملحوظًا، إذ أفاد عدد من النشطاء والصحفيين بتعرضهم لمضايقات أو ملاحقات قانونية على خلفية آرائهم أو نشاطهم العام، في سياق سياسي يتسم أحيانًا بالاستقطاب الحاد. أما على صعيد حقوق النساء، فرغم توفر إطار تشريعي للحماية من العنف المنزلي والتحرش، إلا أن آليات التفعيل لا تزال تعاني من القصور، مما يترك كثيرًا من الضحايا دون إنصاف حقيقي.
وفي هذا الإطار، وجهت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان خلال الجولة الرابعة من الاستعراض عدة توصيات لإيطاليا، ركزت على ضرورة تحسين أوضاع مراكز الاحتجاز، وتعزيز حرية التعبير، وتفعيل آليات مكافحة التمييز والعنف، مع ضمان العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الفئات الضعيفة، وفي مقدمتها المهاجرون واللاجئون.
يبقى التساؤل مطروحًا: إلى أي مدى ستنجح إيطاليا في سد الفجوة بين تعهداتها الدولية وممارساتها الداخلية؟ وهل ستتحول التوصيات الأممية إلى سياسات فعالة تضمن الكرامة الإنسانية لكل من يعيش على أراضيها، أم أن الحقوق ستظل تُهدر في صمت خلف أبواب مغلقة؟