سر المهنة بين أهل الصنعة وأهل الخدعة

بقلم : شيماء محمد
زمان، كان سر المهنة شرفًا يُصان، وحكمةً تُروى للأعيان، لا يُباح إلا لمن صبر، ولا يُعطى إلا لمن شقّ الطريق بلا وهنٍ ولا كدر. كان الصانع يُتقن صنعته، ويصون ودائع مهنته، فمن أراد السر، فعليه بالعرق والسهر، ومن طلب العِلم، فعليه بالحكمة والصبر.
الحداد لا يُفشي سر الحديد، ولا يُلينه إلا لمَن كان كفؤًا شديد… والنجار لا يُعطي مفتاح الحرفة، إلا لمن تعلّم من المطرقة كيف تكون المعرفة… حتى الخباز كان يحفظ عجينته، فلا يبوح بمقادير لقمته، كأنها أمانة بين يديه، لا تخرج إلا لمن حفظ العهد وسار بثبات على الدرب .
أما اليوم؟ فقد تبدّلت الأزمان، وضاع الإتقان بين طمع الإنسان!
صار السر مكيدةً، لا مهارةً، وصار الكتمان خديعةً، لا أمانةً!
صار التاجر يبيع الكلام، قبل أن يبيع الصنعة، ويغلف الوهم، قبل أن يصنع المتقن من البدعة!
صار سر المهنة ليس في الجودة، بل في تسويق الرداءة، وليس في إتقان الصنعة، بل في تلميع البضاعة!
يُقال لك: هذا الأصلي، وما هو إلا زيفٌ مستتر. يُقال لك: هذه الخلطة السحرية، وما هي إلا خليط من حيلةٍ وضرر! يُقال لك: الجودة عنواننا، وما هي إلا قشرة لامعة تخفي في جوفها الغش والخدعه!
لكن مهما طال الليل، سيُكشف الزيف، ومهما علا المكر، سيُمحى بالغدِ البريق، فكما قيل: “الذهب لا يخشى النار، والزيف لا يثبت في مضمار!”.
فسلامٌ على من جعل سر المهنة في إتقانها، لا في تزييفها، وسلامٌ على من حفظ العهد، فبقي نوره رغم ظلام السوق وأهله.