مقالات

عطش المعرفة في أرض النيل

عطش المعرفة في أرض النيل: لماذا لم تخرج مصر من رحم جفافها “مركزا لدراسة الجفاف”؟

في حر القادسية الرقمية، تتلظى مصر بلهيب مائي صامت. حيث يهبط حصاد النيل، سيد الأنهار العتيق، إلى أقل من 560 مترا مكعبا للفرد سنويا، فاتحا بابا من “الفقر المائي المطلق” بحسب معيار الأمم المتحدة (1000 م³/فرد/سنة). ورغم أن نقطة الحصاد هذه تعد من أكثر النقاط إلحاحا على خارطة الكون، فإن استجابة العقل الجمعي لها ظلت – لوداعة محيرة – مرتكزة على المناوئة والتكيف الآني، دون استشراف علمي مؤسس. فلماذا، في وسط هذا العصقور المائي، لم تنشئ مصر، باعتبارها حارسة أقدم نظام مائي في التاريخ، مركزا وطنيا متخصصا لدراسة الجفاف؟
أولا: وهم الأبدية وسحر النيل
لطالما تنفست الحضارة المصرية في حضن دورة مائية أبدية ظنتها مطلقة. لقد نحت النيل في لا شعور الجماعة صورة الإله الوفي الذي لن يخون. فالجداف، بمفهومه العالمي (فترات الجداف المستمرة التي تتجاوز السنين)، ظل غريبا عن الخطاب. ورغم تصاعد منسوب الخطر – فقد بلغت فجوة العرض والطلب المائي نحو 21 مليار م³ سنويا، ويتراوح معدل هدر المياه في الري بالحقل بين 30% و40% – إلا أن الهم ظل منصبا على “إدارة ندرة مزمنة”، لا على استعداد لـ “كارثة جافة”. لقد أغرق سحر النيل القديم القدرة على تصور جفافه.
ثانيا: تشتت المعرفة في مئة بئر
ليس الأمر عدم وجود بحوث. فالعلوم المائية تتدفق في جامعات كبرى ومعاهد أبحاث. ولكن هذه المعرفة تتشتت كقطرات المطر على أرض قاحلة قبل أن تتجمع في مجرى نهر واحد. فمثلا، تشير بعض النماذج المناخية إلى أن مصر قد تخسر نحو 15% من حصيلتها من المياه المتجددة حتى منتصف القرن، بينما قد يرتفع معدل التبخر بنحو 10% مع ارتفاع الحرارة درجة واحدة. هذه الإحصاءات الهائلة تبقى حبيسة أطاريح أكاديمية أو تقارير فنية، دون مركز وطني يوحدها في رؤية مناخية – مائية – اجتماعية متكاملة، ويحولها إلى خرائط مخاطر واستراتيجيات تكيف عملية.
ثالثا: سلطة الهندسة على البيان
طوعت مصر، على مدى قرون، الماء بفنون الهندسة العظيمة: من سد أسوان العتيق إلى السد العالي. لقد أصبح الحل مرادفا للبناء والإنشاء. ولكن الجفاف ليس عدوا تحاصره بالإسمنت، بل هو ظلة مناخية معقدة، تدمغ الزراعة (التي تستهلك نحو 80% من المياه) والأمن الغذائي (مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، باستيراد يزيد عن 12 مليون طن سنويا) وحتى استقرار المجتمعات الريفية. هذا العدو يتطلب مرصدا لرصد التربة والمناخ وسعوذ المياه الجوفية، ومعملا لمحاكاة السيناريوهات القاسية، وعقلا جماعيا يستطيع ترجمة لغة الأرصاد إلى لغة السياسات.
رابعا: سؤال الموارد وأولوية الحرب اليومية
تواجه مصر، كدولة نامية، عاصفة من المطالب: صحة، تعليم، بنية تحتية، أمن. في هذا المشهد، قد يبدو “مركز دراسات الجفاف” كترف فكري أو استثمار في مستقبل غامض، في حين أن الأزمة المائية الحالية ملحة ومحتدمة. إلا أن هذا التصور نفسه هو القصبة التي تنكسر فوقها الحلول. فالجداف ليس حالة طوارئ مؤقتة، بل هو “الطبيعة الجديدة” لجغرافيا المنطقة. وتكاليف عدم الدراسة – في صورة زعازع الهجرة الداخلية، أو انهيار محاصيل، أو تراجع صادرات سياحية – تزيد بالأرباع على تكاليف إنشاء مركز أبحاث.
نبوءة على ضفة الغيب
لم تخلق الأرض الجافة البحر، ولكن البحر لن يخلق نفسه دون أرض جافة تحتضن غوره. هكذا هي المعرفة. إن عدم وجود “مركز دراسات الجفاف” في مصر ليس دليلا على تهور، بل هو – بشكل أكثر عمقا – ترجمة لصورة ذهنية قديمة: صورة بلد ينازع نهرا، لا بلد يواجه سماء تتغير. الجداف ليس غياب المطر فقط، بل هو غياب التخيل العلمي القادر على استشراف القحط قبل حصوله.
إن مصر القادرة على بناء الأهرامات وقناة السويس والسد العالي، تستطيع بالتأكيد أن تبني “أهرام معرفة” لمواجهة أعظم تحدياتها. ولكن هذا البناء يبدأ بتصور العدو أولا، والاعتراف بأن النيل، في عصر التغير المناخي الهائل، قد يحتاج إلى أكثر من مهندسي مياه؛ إنه يحتاج إلى “عرافين” جدد، يقرأون طيوف الجفاف في بيانات السحب وذاكرة التربة، قبل أن تكتسح زوابع العطش أرض السماء السابعة.
عطش الحكمة في رحم الصحراء: نحو مركز وطني لرياضة الجفاف
في حر الواقع وصقيع المستقبل، تقف مصر على مفارق مائي نادر. حيث يغرق الفرد في حوض النيل بأقل من 560 مترا مكعبا سنويا، بينما تستهلك الزراعة وحدها نحو 80% من العرف المائي، ويتسرب حوالي 35% من تلك الكنوز في طريقها إلى جذور النبات.
لقد حان الوقت لرواية جديدة، لسرد ينبثق من عطش الأرض نفسها. ففي زمن ينذر فيه تقرير البنك الدولي بأن تكاليف العدم – خسائر الجفاف – قد تصل إلى ما يقارب 2-3% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول النامية، تبرز الحاجة إلى صرح علمي يكون مرآة صادقة لهذه التحديات.
وهم الأبدية في عصر الاضطراب
لم تعد دورة المياه حلقة أبدية، فقد أصبحت معادلة متغيرة تحت ظل ارتفاع درجة الحرارة درجة واحدة مئوية، ما قد يرفع معدل التبخر بنحو 7%. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي نبوءات تطلب فهما. والمركز الوطني لدراسة الجفاف ليس ترفا فكريا، بل هو أداة قراءة لهذه النبوءات قبل أن تتحول إلى أزمات.
شرك الأولويات وحكمة الاستثمار
في وسط عاصفة المطالب اليومية – صحة، تعليم، بنية تحتية – قد يبدو الاستثمار في مركز للبحث طويل المدى كالجري في الرمال. لكن الحسابات الدقيقة ترينا صورة أخرى: فكلما تأخرنا سنة في فهم آليات الجفاف، تزداد الخسائر. وبينما تقدر تكلفة إنشاء مركز من هذا النوع بملايين الجنيهات، تقف خسائر محصول واحد من القمح أمام تغير مناخي حاد على أبواب الملايين أيضا. إنه استثمار في الوقاية العلمية، أرخص كثيرا من ثمن العلاج الطارئ.
جسر المعرفة بين السماء والأرض
يوجد في مصر علماء أجلاء، وفحول باحثين في المياه والمناخ والزراعة. لكن المعرفة تتشتت. يأتي المركز ليكون جسرا يربط بين:
• بيانات الأقمار الصناعية التي ترصد رطوبة التربة بدقة تصل إلى 90%.
• بيانات محطات الأرصاد الـ 90 محطة وأكثر المنتشرة في أنحاء البلاد.
• حكمة الفلاح التي تملي زمن الزرع والحصاد.
في هذا المكان، تتحول الأرقام إلى خرائط، والخرائط إلى توصيات، والتوصيات إلى حصاد أوفى.
لغة واحدة لحلول لا تعد
إن أحد أعظم مهام المركز هو اختراع لغة مشتركة. لغة تفهمها وزارة الري حين تخطط لموازنة المياه، ويفهمها الفلاح في حقله حين يختار محاصيلا أقل عطشا. هو من يقول: “هذه المساحة – وفق خريطتنا – تصلح لهذا النوع الجديد من القمح الذي يحتاج مياها أقل بنسبة 20%”. فالمعرفة الحقة هي التي تخرج من مختبر العالم لترسخ في تربة الواقع.
من عطش الماء إلى ري العقل
ليس المركز مبنى من حجر وإسمنت، بل هو قصد جماعي. قصد إلى أن نكون أذكى من الجفاف، وأكثر حكمة من التغير. هو اعتراف راق بأن تاريخنا المائي العظيم يحتاج إلى فصل جديد، يكتب بحبر العلم وبقلم الاستباقاء.
فلننشئ هذا المركز لكي لا نقول غدا: لو كنا نعرف. لننشئه ليكون مصباحا في ليل المناخ المضطرب، وصوتا حانيا يترجم همس الأرض العطشى إلى سياسات حكيمة. فمصر التي أبدعت في حواضر الماء، قادرة – بعز العزيمة ونبل العلم – أن تبدع في حواضر المعرفة. إنه الوعد الأجمل: أن نروي بالمعرفة ما تعذر ريه بالماء.
العوائد الاقتصادية لبناء مركز متخصص للجفاف: استثمار في الحياة ذاتها
إن النظر إلى هذا المركز المقترح من خلال عدسة اقتصادية بحتة، لن يوفيه حقه، فقيمته تتجاوز الأرقام إلى تحقيق الاستدامة الحقيقية. لكن، حتى في لغة الاقتصاد المحسوبة، فإن هذا المشروع ليس تكلفة، بل هو مضاعف للنمو وحصن ضد الخسائر.
عوائد الوقاية: الجنيه الذي يدر أضعافه
تؤكد الدراسات العالمية أن كل دولار يُستثمر في البحث والتطوير الزراعي المتعلق بالمناخ، يمكن أن يحقق عائداً يتراوح بين 10 إلى 20 دولاراً على شكل زيادة في الإنتاجية وتجنب خسائر مستقبلية. المركز سيكون مصنعاً لهذه الحسابات الذكية، حيث:
• يقلص الفجوة المائية: من خلال تطوير تقنيات ري ذكية، يمكن رفع كفاءة استخدام المياه في الزراعة من متوسطها الحالي (الذي لا يتجاوز 50% في بعض الأنظمة) إلى 80% أو أكثر. وفر 30% من المياه المستخدمة في ري 9.5 مليون فدان تقريباً هو ثروة كبرى، تُعادل إنشاء خزان مائي ضخم دون حفر.
• يحمي رأس المال الوطني: يبلغ متوسط الاستثمار في الفدان الواحد من البنية التحتية الزراعية (تسوية، شبكات ري، إلخ) آلاف الجنيهات. الجفاف غير المُدار يُهدر هذا الاستثمار. المركز سيكون جهاز الإنذار الذي يحمي هذه الثروة الثابتة من التلف.
عوائد الإنتاجية: من البقاء إلى الازدهار
لا يهدف المركز فقط لإنقاذ المحصول، بل لتحقيق وفرة ذكية:
• محاصيل تتحدث لغة المناخ: تطوير وإدخال أصناف متحملة للجفاف يمكن أن يرفع متوسط إنتاجية الفدان بنسبة 15-25% تحت ظروف الإجهاد المائي. تخيل أثر ذلك على محصول مثل القمح، الذي تستهلك زراعته كميات هائلة من المياه. زيادة الإنتاج المحلي بنسبة 20% تعني تقليل فاتورة الاستيراد بمليارات الجنيهات سنوياً.
• اقتصاد دقيق: باستخدام بيانات الاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي، سيتمكن المركز من إصدار خرائط توصية زراعية تحدد لكل منطقة أفضل محصول وأفضل موعد زراعي وأفضل نظام ري. هذا التخصيص الدقيق هو تحول من الزراعة العشوائية إلى الزراعة بالجرام، مما يخفض التكاليف ويرفع العائد.
عوائد التصنيع والابتكار: ولادة صناعات جديدة
المركز لن يكون مستهلكاً للموارد فحسب، بل سيكون حاضنة للاقتصاد الأخضر:
• صناعة التكنولوجيا الزراعية: سيفتح أفاقاً لتصنيع مستشعرات رطوبة التربة، صمامات الري الذكية، وأنظمة المراقبة المحلية، مما يخلق فرص عمل في قطاعات تقنية عالية القيمة.
• اقتصاد المعرفة: سينتج المركز براءات اختراع لأصناف نباتية جديدة وتقنيات ري مبتكرة، يمكن تصديرها لدول تعاني من نفس التحديات، محولاً مصر من مستورد للمعرفة إلى مُصَدّر لها.
عوائد الاستقرار الاجتماعي: أغلى أنواع العائدات
أغلى ما يمكن أن يحققه المركز هو تثبيت الإنسان في أرضه. فالجفاف لا يهلك الزرع فقط، بل يهجر بالفلاحين قراهم نحو حواف المدن، مسبباً أعباء اجتماعية واقتصادية هائلة. المركز، من خلال تأمين لقمة العيش من الأرض حتى في الظروف المناخية القاسية، يحمي النسيج الاجتماعي للريف المصري، ويحفظ تراثاً من الحكمة الزراعية والمهارات الإنسانية التي لا تقدر بثمن.
المركز بوصفه “بنك المناخ”
في النهاية، المركز المقترح هو أشبه بإنشاء “بنك للمناخ”. بنك لا يدخر النقود، بل يدخر الماء، والتربة، والغذاء، والأمل. عائده لا يُقاس في موازنة سنوية وحسب، بل في ضمانة وجودية: ضمان أن تبقى هذه الأرض الخالدة قادرة على إطعام أبنائها، وأن تظل هبة النيل قصة ازدهار، لا قصة صراع من أجل البقاء.
إنه الاستثمار الذي لا ينتظر عائداً مالياً فحسب، بل ينتج المرونة، ويصنع الأمان، ويؤسس لعهد جديد تكون فيه مصر رائدة ليس فقط في تاريخ المياه، بل في مستقبل التعامل مع ندرتها بحكمة وبصيرة.
أمراض الأرض والنبات والحيوان والإنسان: تشريح الوباء في عصر الجفاف
في ظل حفيف أوراق الأشجار الذابلة، واختفاء خرير الجداول، وارتفاع حرارة الأرض، لا يصاب الكوكب بالجفاف فحسب، بل يدخل في حالة من الاعتلال الشامل. فالجفاف ليس حدثاً بيئياً منعزلاً، بل هو محرك رئيسي للأمراض، يخلق سلسلة وبائية تنتقل من التربة إلى النبات، فالإنسان والحيوان، في دائرة مفرغة من الضعف والانتشار.
أمراض الأرض: عطشٌ يولد سمومًا
الأرض الجافة ليست أرضاً ميتة، بل هي أرض مريضة. جفافها ليس فراغاً، بل هو حالة تنشط فيها أمراض خطيرة:
1. تسمم التربة بالملوحة (الملوحة المرضية): مع تبخر المياه السطحية، تظهر الأملاح الذائبة من باطن الأرض إلى السطح كـ طفح جلدي على وجه التربة. هذه الأملاح لا تحرق جذور النبات فحسب، بل تغير التركيبة الكيميائية للأرض، فتصبح بيئة طاردة للحياة. في الدلتا ووادي النيل، تهدد الملوحة 20% من الأراضي الخصبة.
2. تصحر الروح قبل القشرة: الجفاف المزمن يقتل الحياة الدقيقة في التربة – البكتيريا والفطريات النافعة – التي تشبه ميكروبيوم الأمعاء للأرض. موتها يجعل التربة عاقراً، غير قادرة على التنفس أو العطاء. مرض يُسمى “العقم البني”.
3. تضخم السمية: في غياب الماء، تتركز الملوثات والمعادن الثقيلة في التربة، مثل الرصاص والزرنيخ، فتتحول الأرض من مصدر للغذاء إلى مستودع للسموم التي تتسلل لاحقاً إلى السلسلة الغذائية.
أمراض النبات: ضعف المناعة الخضراء
النبات المجهد بالماء يصبح كالإنسان المجهد بالتعب: جهازه المناعي ينهار، فيفتح أبواباً لأمراض كانت كامنة:
1. الفيروسات الانتهازية: تنتشر في ظل الجفاف حشرات مثل حشرة المن والذبابة البيضاء (التي تتكاثر أسرع في الجو الدافئ الجاف)، فتغزو النباتات الضعيفة وتنقل لها أمراضاً فيروسية قاتلة. مثال: فيروس تجعد الأوراق الصفراء في الطماطم، الذي يحول الأوراق إلى أشبال صفراء مجعدة ويقضي على 80% من المحصول أحياناً.
2. الفطريات الخانقة: بعض الفطريات مثل “الفيوزاريوم” تنتظر في التربة لحظة ضعف النبات. الجفاف يضعف الجذور، فيتسلل هذا الفطر إلى أوعية النبات ويخنقه من الداخل، مرض يسمى “الذبول الوعائي”، أشبه بجلطة تصيب شرايين العالم الأخضر.
3. أمراض الإجهاد الفسيولوجي: بدون ماء، يتوقف التمثيل الضوئي، وترتفع نسبة السكريات المركزة في الأوراق فتصبح وجبة دسمة للحشرات، بينما تتراكم السموم داخل خلايا النبات نفسه، فيصاب بما يشبه “تسمم الدم النباتي”.
أمراض الحيوان: حلقة الجوع والعطش
تنتقل الأمراض عبر حلقة مفرغة: أرض جافة → نباتات ضعيفة أو سامة → حيوانات جائعة وضعيفة:
1. أمراض سوء التغذية والتسمم: عندما تختفي المراعي، تُجبر الحيوانات على أكل نباتات جافة أو سامة (مثل بعض الأعشاب التي تتراكم فيها مادة النترات السامة تحت الإجهاد)، فتصاب بأمراض عصبية وهضمية.
2. أمراض الازدحام والعدوى: ندرة الماء تدفع القطعان للازدحام حول منابع المياه المتبقية. هذا الازدحام يتحول إلى بؤرة وبائية للأمراض التنفسية مثل الالتهاب الرئوي المعدي، والجلدية مثل الجرب، والأمراض المعوية التي تنتقل عبر الماء الملوث.
3. أمراض النواقل المتفاقمة: تزداد أعداد النواقل مثل القراد والبعوض في ظروف دافئة مع وجود برك راكدة محدودة، فتنقل أمراضاً مثل حمى الوادي المتصدع للأغنام والماشية (وللإنسان)، و مرض الثايليريا (الماشية)، الذي تنتقل عبر القراد ويمكن أن يقضي على قطيع كامل.
أمراض الإنسان: النهاية المأساوية للسلسلة
تلتقي كل السلاسل في جسم الإنسان، ليصبح الخزان الأخير لأمراض الجفاف:
1. الأمراض المنقولة بالغذاء والماء: ندرة المياه النظيفة تدفع البشر لشرب مياه ملوثة، مما يؤدي إلى تفشي الكوليرا، والتيفوئيد، والإسهالات المميتة. الغذاء المزروع في تربة مريضة أو مروية بماء ملوث يحمل السموم والمعادن الثقيلة إلى أجسادنا.
2. الأمراض المنقولة بالنواقل: انتشار البعوض الناقل لـ الملاريا أو الذباب الرملي الناقل لـ الليشمانيا (مرض يسبب تقرحات جلدية وحشوية خطيرة) يزداد مع تغير الأنماط المناخية المرتبطة بالجفاف.
3. أمراض الجهاز التنفسي: تحول الرياح الغبارية من الأراضي الجافة إلى جسيمات دقيقة محمولة بالهواء، تحمل معها جراثيم وفطريات تسبب الربو والحساسية وأمراضاً رئوية.
4. الصحة النفسية: جفاف الأرض يؤدي إلى جفاف الروح. فقدان سبل العيش الزراعية يؤدي إلى القلق والاكتئاب والهجرة القسرية، مما يخلق أمراضاً اجتماعية ونفسية عميقة الجذور في المجتمعات الريفية.
الجفاف هو الوباء الأصلي
هكذا نرى أن الجفاف هو “المرض الأم” الذي يولد عائلة من الأمراض الثانوية. إنه لا يكسر دورة الماء وحسب، بل يكسر حاجز المناعة للكوكب بأسره. بناء مركز لدراسة الجفاف، بهذا المنظور الشامل، هو أشبه بإنشاء مستشفى حكمة استباقية، لا يعالج أعراضاً منفصلة، بل يشخص العلل المتشابكة من جذورها.
إنه محاولة لفهم لغة التحذير التي تنطق بها الأرض الجافة، والنبات الذابل، والحيوان العطشان، قبل أن تتحول هذه التحذيرات إلى أوبئة في أجسادنا. إنه استثمار في بناء “مناعة جماعية” للبيئة والمجتمع معاً، لأن صحة الإنسان، في النهاية، لا تبدأ من عيادة الطبيب، بل تبدأ من صحة أول حبة قمح، وأول قطرة ماء، وأول بقعة تراب في هذه الأرض القديمة.
مراكز الجفاف العالمية: حصون المعرفة في مواجهة عطش الكون
في رحاب هذا التحدي الكوني، لم تترك الإنسانية جفافها لمصير مجهول، بل أقامت له معاقل معرفية تنتشر من سهول أفريقيا إلى صحاري آسيا، تحولت إلى مصابيح إرشاد للعالم. هذه المراكز ليست مبانٍ فحسب، بل هي عصارة الخبرة الإنسانية في حوارها المرير مع المناخ.
الحصون الإقليمية: حكايات الدول مع العطش
1. المركز الوطني للتخفيف من الجفاف (NDMC) – الولايات المتحدة:
• الرواية: ولد من رحم “وعاء الغبار” الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، حين حولت العواصف الترابية قلب أمريكا إلى جحيم. المركز لا يراقب الجفاف بل يستشعر آلام الأرض عبر نظام متقدم يجمع بين بيانات الأقمار الاصطناعية وذاكرة المزارعين.
• العائد الاقتصادي: يحفظ للزراعة الأمريكية مليارات الدولارات سنوياً من خلال أنظمة إنذار مبكر تتيح التخطيط الاستباقي. هو صمام أمان لسلة غذاء العالم.
• العائد المعرفي: أنتج “مرصد الجفاف” الأمريكي، الذي أصبح لغة مشتركة لفهم الجفاف على مستوى العالم، يترجم ظواهر المناخ إلى خرائط ومؤشرات يفهمها السياسي والمزارع على حد سواء.
2. المعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI) – سريلانكا (شبكة عالمية):
• الرواية: مقره في جزيرة استوائية، لكن رحلته تمتد عبر صحاري أفريقيا وآسيا. يعامل المياه ليس كمورد فحسب، بل كـ نظام اجتماعي-اقتصادي متكامل.
• العائد الأمني المائي: طور مفهوم “المحاصيل التي تكسب المزيد من كل قطرة”، وساهم في زيادة الإنتاجية بنسبة 40% في مشاريع الري الصغيرة بجنوب آسيا مع توفير 30% من المياه.
• العائد المعرفي: أنشأ “خزان الأفكار” العالمي لإدارة المياه في المناطق الجافة، حيث تُختبر الحلول المحلية ثم تُعمم عالمياً.
3. المركز الدولي للزراعة الملحية (ICBA) – الإمارات العربية المتحدة:
• الرواية: ولد من رؤية استثنائية في قلب الصحراء، يبحث في كيفية جعل الملوحة والعطش مصدراً للإبداع. يزرع المحاصيل بمياه مالحة، وكأنه يخاطب الصحراء: “إذا لم تأت المياه إلينا، فسنزرع الحياة في ملحك”.
• العائد الاقتصادي: طور أصنافاً من “الكينوا” و”السورغم” تتحمل الملوحة والعطش، تنتج 6 أطنان للهكتار بمياه مالحة، فاتحاً أسواقاً جديدة للزراعة في المناطق الهامشية.
• العائد الأمني: “سيادة البذور” في المناطق الجافة، حيث لم تعد الدول رهينة للبذور المستوردة غير الملائمة لمناخها.
حصون الأمم المتحدة: ذراع الإنسانية الجمعي
1. برنامج الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR) – جنيف:
• الرواية: لا ينتظر الكارثة بل يُجردها من سلاح المفاجأة. حوّل الجفاف من “كارثة صامتة” إلى تحدٍّ مدرَج في خطط الدول.
• العائد الأمني: أنشأ “ائتلاف المياه والمناخ” الذي يجعل التخطيط للجفاف جزءاً من الأمن القومي للدول. الدول التي تتبنى خططه تخفض خسائر الجفاف بنسبة 50-70%.
• العائد الاقتصادي: كل دولار يُستثمر في الاستعداد للجفاف عبر برامجه، يوفر 7 دولارات من خسائر الكارثة المحتملة.
2. منظمة الأغذية والزراعة (FAO) – روما (برنامج تأثير الجفاف):
• الرواية: تحولت من مجرد راوي للمجاعات إلى مهندس للصمود. برنامجها “اليد في اليد” يربط بين بيانات الأقمار الاصطناعية وحكمة الرعاة في القرن الأفريقي.
• العائد المعرفي: أطلق “المنصة الدولية للجفاف” التي تجعل البيانات ملكاً للإنسانية، حيث يمكن لمزارع في النيجر الوصول إلى تنبؤات جفاف دقيقة كما يفعل وزير الزراعة في روما.
• العائد الاقتصادي: في السودان والصومال، ساهمت أنظمة الإنذار المبكر التابعة للفاو في تقليل خسائر الماشية بنسبة 40%، وهي ثروة تمثل حياة لملايين الأسر.
3. اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتصحر (UNCCD) – بون:
• الرواية: لا ترى في التصحر نهاية، بل بداية لقصة ترميم. حوّلت مكافحة التصحر من شعار إلى مشروع اقتصادي عبر مبادرة “الجدار الأخضر العظيم” في أفريقيا.
• العائد الاقتصادي: كل هكتار يُستصلح في إطار الجدار الأخضر يخلق 3-4 وظائف ويولد دخلاً يصل إلى 1.4 دولار مقابل كل دولار مستثمر.
• العائد الأمني: يحول الأراضي الحدودية الجافة من بؤر نزاع على الموارد الشحيحة إلى أحزمة خضراء للتعاون الإقليمي.
دروس من حصون المعرفة العالمية
هذه المراكز تقدم لنا دروساً جوهرية:
1. الاستثمار في المعرفة ضد الجفاف هو الأقل تكلفة: حيث توفر كل دولار يُنفق على البحث عشرة دولارات في مواجهة الأزمات لاحقاً.
2. الجفاف قضية أمن قومي عالمي: المراكز الرائدة تدمج بيانات الجفاف في مستويات صنع القرار العليا، وكأنها غرف عمليات عسكرية لمواجهة عدو غير مرئي.
3. الحلول المحلية ذات الطابع العالمي: النجاح يكمن في توطين الحلول ثم تعميم الحكمة، مثل نبتة الصبار التي تزهر في الصحراء ثم تُدرس في مختبرات العالم.
4. المعرفة سلعة غير قابلة للاحتكار: أقوى ما في هذه المراكز هو إيمانها بأن بيانات المناخ ملك للإنسانية، وأن مشاركتها تضاعف قيمتها.
إن تأسيس مركز مصري للجفاف على هذا النمط، سيكون دخولاً لنادي الحكمة المناخية العالمي، حيث لا نكون مستوردين للمعرفة فقط، بل شركاء في إنتاجها. سنحوّل تجربتنا الممتدة مع النيل – من الفراعنة إلى السد العالي – إلى منهجية علمية نقدمها للعالم: كيف تحاور حضارة عتيقة تحدي العطش المعاصر.
هذا المركز لن يكون فرعاً لمؤسسة أجنبية، بل سيكون بيت الخبرة النيلي، الذي يقول للعالم: “تعالوا لتتعلموا من شعب حوّل نهراً إلى حضارة، وهو الآن يحول التحدي إلى مختبر، والعطش إلى إبداع”.
أثر المركز المصري للجفاف: من رحم العطش إلى رحاب التعاون الإقليمي
إذا كانت مصر بموقعها الجغرافي والتاريخي تقع في قلب العالم العربي والإفريقي، فإن مركزها المقترح لدراسة الجفاف سيكون بمثابة القلب النابض لعقلية جديدة في التعامل مع أزمة العطش الإقليمية. ليس مجرد مؤسسة بحثية، بل منصة حكمة تنتج رؤى وتُعيد تشكيل التوازنات.
على مستوى حوض النيل: من ثنائية (الحصة مقابل التعاون) إلى (المعرفة المشتركة)
1. تحويل لغة الحوار: بدلاً من التركيز الحصري على كمية المياه 55.5 مليار متر مكعب وفق اتفاقية 1959، يقدم المركز أدوات للحديث عن كيفية استخدام كل قطرة. سيصبح السؤال: “كيف نرفع كفاءة الري في السودان من 40% إلى 70%؟” بدلاً من “كم تستقطع السودان من الحصة؟”. هذه نقلة من مفاوضات الصفر-مجموع إلى تعاون المجموع-مجموع.
2. إدارة الفيضان والجفاف المشترك: باستخدام بيانات الأقمار الصناعية والنمذجة المناخية، سيمكن المركز دول المنبع والمصب من التخطيط المتكامل للمواسم المائية. مثال: تحويل مواسم الجفاف في إثيوبيا إلى فرصة لصيانة سد النهضة، بينما تعد مصر والسودان مخزونها الاستراتيجي، في عملية تخطيط شفافة وقائمة على الثقة العلمية.
3. خلق لغة تقنية موحدة: سيصدر المركز مؤشر الجفاف النيلي الموحد، لغة رقمية يفهمها المزارع في أوغندا والمهندس في أسوان. هذه اللغة المشتركة تقلل سوء الفهم وتجعل الحوار موضوعياً وعلمياً.
الأثر الأمني: تحويل النيل من مصدر محتمل للتوتر إلى نموذج للتعاون التقني. الأمن المائي لا يتحقق بالاحتفاظ بالحصص فحسب، بل بضمان استدامة النظام النهري كله.
على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA): بيت الخبرة في أرض التحدي
1. الإرث التاريخي كرأسمال: المنطقة التي اخترعت القنوات المائية (الفلج والأقنية) تحتضر اليوم من العطش. المركز المصري سيكون حارس ذاكرة هذه الحكمة المائية ومطورها بتقنيات العصر. سينقل تجربة مصر مع الري الدقيق والتحلية إلى دول الخليج، ويستفيد من تجارب المغرب وتونس في مواجهة التصحر.
2. المرونة الغذائية الجماعية: بدلاً من منافسة بعضها على استيراد القمح (تستورد المنطقة 50% من حاجتها)، يمكن للمركز أن يقود مشاريع بحثية مشتركة لاستنباط أصناف حبوب مقاومة للجفاف تناسب تربة وشمس المنطقة. تخيل “قمحاً نيلياً-مغاربياً” يُزرع بالماء المالح في الخليج، أو “تموراً خليجية” معدلة وراثياً تتحمل حرارة الصعيد.
3. مركز الإنذار المبكر الإقليمي: سيكون بمثابة غرفة عمليات جفاف للمنطقة، يتنبأ بموجات الجفاف قبل 6-12 شهراً، مما يمكن دول المشرق العربي (الأردن، سوريا، لبنان، العراق) من التخطيط لموسم الزراعة وتخزين المياه بشكل استباقي، ويخفف من حدة النزاعات المحلية على الموارد الشحيحة.
الأثر الاقتصادي: تقليل فاتورة استيراد الغذاء والمياه للمنحلة (التي تتجاوز 200 مليار دولار سنوياً) عبر التكامل البحثي والإنتاجي. تحويل المنطقة من سوق استهلاكي إلى حاضنة للابتكار في مجال الأمن المائي.
على مستوى إفريقيا: العودة إلى المنبع برؤية جديدة
1. رد الجماع التاريخي: إفريقيا التي قدمت للنيل مياهه، تقدم لها مصر الآن خلاصة تجربتها ومعرفتها. المركز سيكون منصة لتدريب الكوادر الأفريقية على أحدث تقنيات إدارة المياه والزراعة الذكية مناخياً، خاصة في دول الساحل الأفريقي (تشاد، النيجر، مالي) التي تعاني تصحراً متقدماً.
2. مكافحة الفقر عبر مكافحة الجفاف: وفق البنك الدولي، 40% من سكان إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون في مناطق جافة، ويهدد الجفاف موارد رزق 70% منهم. سيساهم المركز في تطوير حلول منخفضة التكلفة لصغار المزارعين، مثل أنظمة حصاد المياه البسيطة وأصناف البذور المحسنة المقاومة للجفاف، مما يمس جوهر التنمية والأمن البشري في القارة.
3. تعزيز السيادة المعرفية الأفريقية: بدلاً من الاعتماد الكلي على المناهج والحلول الغربية للمناخ الأفريقي، سيساهم المركز في بناء مدرسة أفريقية في علوم الجفاف، تقوم على فهم الخصوصيات المحلية ودمج المعرفة التقليدية مع العلم الحديث. سيكون شريكا لقوة الوكالة الأفريقية للزراعة (NEPAD).
الأثر الاستراتيجي: تعزيز دور مصر كقوة ناعمة وفاعلة في القارة، من خلال تقديم نموذج عملي للتعاون الجنوب-جنوب. تحويل العلاقة من مساعدات إلى شراكة في إنتاج المعرفة التي تحفظ حياة الملايين.
المركز بوصفه “جسر الحضارات العطشى”
لن يكون المركز المصري للجفاف مؤسسة مصرية بحتة، بل سيكون:
• جسراً نيلياً يربط بين دول المصب والمنبع بلغة العلم.
• ملتقى عربياً يجمع خبراء المنطقة تحت قبة التحدي المشترك.
• هدية أفريقية ترد بها مصر بعض فضل القارة الذي لا ينكر.
سيروي المركز، ليس بالماء، بل بالحلول، العطش المتفشي في جسد جيراننا وإخواننا. سيكون دليلاً عملياً على أن الأمن المائي لمصر لا يكتمل إلا بأمن مائي مستدام لجوارها الإقليمي والقاري. وفي عالم تتصارع فيه القوى الكبرى على موارد الكوكب، سيكون هذا المركز هو صوت الجنوب العاقل، الذي يذكر العالم أن المعرفة التي تنقذ إنساناً من العطش، هي أعظم أنواع القوة، وأسماها.
أغنية النهر في عصر الجفاف
أيتها التربة التي صارت أغنيةً في قيثارة الزمن، أيتها الجذور الظمأى التي تتلمس ذاكرة الماء في ظلمة الأرض، ها نحن نصل إلى شاطئ الحقيقة الأعمق. إن بناء مركز للجفاف في مصر ليس قراراً إدارياً، بل هو نوع من المقاومة الوجودية، هو التوقيع الأخير لحضارة عمرها سبعة آلاف عام على إعلان حبها للحياة. إنه فعل إيمان بأن المستقبل لا يُمنح، بل يُستخرج من صخور التحدي، كما استخرج الأجداد معجزاتهم من أحضان النيل.
بالأرقام نكتب الوعد:
فإذا كان الجفاف يسرق من إفريقيا وحدها ما قيمته 10 مليارات دولار سنوياً، وإذا كان كل هكتار يتحول إلى صحراء يسلب منا إمكانية إطعام شخصين، وإذا كان نزوح الملايين بسبب العطش يُعيد رسم خرائط بشرية مأساوية… فإن هذا المركز سيكون الآلة الحاسبة التي تعيد ترجمة هذه المعادلة الكارثية. إنه يستثمر في معادلة بديلة: كل مليون جنيه في البحث تُجنّب البلاد عشرة ملايين في مواجهة الكارثة، وكل بذرة مقاومة للعطش تحمي أسراً كاملة من شبح الجوع، وكل قطرة تُوفرها تقنية جديدة هي هدية نقدية نقدمها للأجيال القادمة.
الخلاصة النهائية:
إن هذا المركز هو الوعد الذي نقطعه للنيل، بعدما أعطانا كل وعوده عبر العصور. هو اعتراف بأننا لم نعد فقط أبناء النيل، بل أصبحنا حراس دورة حياته في عالم مُعاق. هو البناء الذي لن ننقش اسمنا على حجارته، بل ستنقش حجارته اسمها على مستقبلنا. فلنبدأ البناء، ليس لأننا نملك كل الإجابات، بل لأننا نجرؤ أخيراً على طرح السؤال الأصعب: كيف نحب أرضاً جافة، وكيف نرقص مع الحياة على إيقاع المطر الذي لا يأتي؟
ها هي الإجابة: بالعلم الذي يصبح حباً، وبالرقم الذي يتحول إلى رغوة أمل، وبإرادة شعب علم العالم كيف تزرع الحضارة في طمي النهر، وهو اليوم يعلمهم كيف يزرعون الأمل في قلب الجفاف.
بالشعر نختم الرحلة:
لنقلها كما قالها نهرنا العظيم في قصيدته الصامتة:
يَا أَرْضَ الْأَجْدَادِ، لَا تَبْكِي الْجَدَابَا
فَقَدْ كُنَّا الْأَوَّلِينَ، وَسَنَكُونُ الْقَادَةَ الْأَوْابَا
نَحْمِلُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ بِكَفِّ الْعِلْمِ نُورًا
وَنَحْيَا الْعُسْرَ بِحِكْمَةِ مَنْ عَاشُوا الْغُيُوبَ سُطُورًا
سَنَرْوِي بِالْمَعْرِفَةِ مَا عَجَزَتْ عَنْهُ السَّدُودُ
وَنَكْسُو الصَّحْرَاءَ مِنْ حُبِّ الْحَيَاةِ وُعُودُ
فَإِنْ تَكُنِ الْمِيَاهُ تَنْضَبُ، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ لَا تَنْضَبُ
وَإِنْ تَشْتَدِّ الرِّيَاحُ، فَفِي أَكُفِّنَا الْيَوْمَ مِفْتَاحُ الْعَجَبِ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى