دراسات وابحاث

حيلة ذكية في عقولنا… كيف ظل الدماغ البشري يتفوّق على الذكاء الاصطناعي

حيلة ذكية في عقولنا… كيف ظلؤ يتفوّق على الذكاء الاصطناعي

مصر: إيهاب محمد زايد
على الرغم من القفزات المذهلة التي حققها الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، ما يزال الدماغ البشري يحتفظ بميزة خفيّة تمنحه التفوّق: قدرته على نقل المهارات وتعلّم مهام جديدة بالاعتماد على خبرات سابقة. دراسة حديثة تكشف السر الكامن وراء هذه المرونة، وتوضح لماذا لا تزال عقولنا حتى اليوم أذكى من الآلة.
الدراسة، التي قادها باحثون من جامعة برينستون، لم تُجرَ على البشر مباشرة، بل على كائنات تشبهنا كثيرًا في البنية العصبية ووظائف الدماغ: قرود المكاك الريسوسي. كانت المهمة بسيطة في ظاهرها: تمييز أشكال وألوان تظهر على شاشة، ثم توجيه النظر في اتجاهات محددة للإجابة. لكن خلف هذا الاختبار البسيط، كان العلماء يراقبون شيئًا أعمق بكثير.
أثناء أداء القرود لمهامها، التُقطت صور دقيقة لنشاط أدمغتها، بحثًا عن الأنماط المتداخلة ومناطق النشاط المشتركة. وهنا ظهرت المفاجأة.
أظهرت الفحوصات أن الدماغ لا يبتكر شبكة جديدة كليًا لكل مهمة، بل يستخدم وحدات عصبية جاهزة يعيد توظيفها وتركيبها بحسب الحاجة. شبّه الباحثون هذه الوحدات بـ “قطع الليغو المعرفية”: لبنات صغيرة من التفكير، يمكن تفكيكها وإعادة تركيبها لبناء مهارات جديدة.
يقول عالم الأعصاب تيم بوشمان من جامعة برينستون:
«نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة قد تصل إلى مستوى الإنسان بل وتتجاوزه في مهمة واحدة، لكنها تواجه صعوبة كبيرة حين يُطلب منها تعلّم عدة مهام مختلفة».
ويضيف:
«الدماغ مرن لأنه يعيد استخدام مكوّنات الإدراك نفسها في سياقات متعددة. من خلال جمع هذه القطع المعرفية، يستطيع بناء مهام جديدة بسرعة مذهلة».
في التجربة، طُلب من القرود الانتقال بين ثلاث مهام مترابطة، تميّز فيها بين الأشكال والألوان، مع ضرورة استحضار ما تعلّمته سابقًا وتطبيقه في سياق جديد. وهو بالضبط ما تعجز عنه معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية.
تبيّن أن هذه “اللبنات المعرفية” تتركز بشكل خاص في القشرة الجبهية الأمامية، وهي المنطقة المسؤولة عن أعلى وظائف التفكير: التخطيط، حل المشكلات، واتخاذ القرار. وتبدو هذه المنطقة وكأنها غرفة التحكم في مرونة العقل.
والأكثر إثارة أن الباحثين لاحظوا أنه عندما لا تكون بعض الوحدات العصبية مطلوبة، ينخفض نشاطها. وكأن الدماغ يضع قطع الليغو غير المستخدمة جانبًا، ليفسح المجال للتركيز على ما هو مهم في اللحظة الراهنة.
يشرح بوشمان الفكرة قائلًا:
«أفكر في الوحدة المعرفية كما أفكر في دالة داخل برنامج حاسوبي. مجموعة من الخلايا العصبية قد تختص بتمييز اللون، ثم تُمرَّر نتيجتها إلى وحدة أخرى تحوّلها إلى فعل أو قرار. هذا التنظيم التسلسلي يسمح للدماغ بأداء المهمة خطوة بخطوة».
بهذه الطريقة، يستطيع الدماغ سواء في القرود أو البشر مواجهة تحديات جديدة لم يسبق له رؤيتها، مستخدمًا معرفة قديمة كاختصار ذكي للتعلّم. وهي نقطة ضعف معروفة في الذكاء الاصطناعي، الذي يعاني مما يسمى “النسيان الكارثي”: إذ يتعلّم مهمة جديدة على حساب نسيان ما تعلّمه سابقًا.
ويرى الباحثون أن فهم هذه الآلية قد يحمل فوائد مستقبلية كبيرة، من تدريب أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر قدرة على التكيّف، إلى تطوير علاجات لاضطرابات عصبية ونفسية يعاني فيها المرضى من صعوبة نقل المهارات بين المواقف المختلفة.
صحيح أن التنقّل المستمر بين المهام ليس مثاليًا لأدمغتنا، لكن القدرة على استثمار ما نعرفه في سياق جديد تظل واحدة من أعظم اختصارات العقل البشري.
ويختم الباحثون دراستهم بالقول:
إذا كان الدماغ قادرًا على إعادة استخدام التمثيلات والحسابات الذهنية عبر مهام متعددة، فإن ذلك يمنحه قدرة فائقة على التكيّف السريع مع التغيرات، إما بالتعلّم من المكافأة، أو باستدعاء الخبرة من الذاكرة طويلة الأمد.
هكذا، وعلى مستوى أساسي عميق، تكشف “قطع الليغو المعرفية” لماذا ما زال العقل البشري أكثر مرونةً ودهاءً من أذكى الآلات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى