مصر ليست ممر مصر ليست معبر

بقلم شيماء إبراهيم
وسط تصاعد نيران الصراع في الشرق الأوسط، ومع تصدّر عناوين الأخبار مشاهد القصف المتبادل بين إيران وإسرائيل، والدمار المتجدد في غزة، والاضطرابات في البحر الأحمر، تعود مصر إلى الواجهة كطرف يُنتظر منه “أن يفتح، أن يمرر، أن يسهل”. لكن مصر — لمن لا يدرك — ليست ممرًا، وليست معبرًا، ولن تكون مجرد محطة في طريق حسابات القوى الكبرى أو الإقليمية.
لقد اعتادت بعض الأطراف الدولية أن تتعامل مع الموقع الجغرافي لمصر على أنه ميزة لخدمة الآخرين، متجاهلين أن هذا الموقع هو أيضًا مسؤولية وتهديد، وأن أمن مصر القومي لا يُختزل في خرائط العبور، بل يُصاغ وفق معادلة دقيقة من السيادة والمصلحة الوطنية.
مصر التي تدير معبر رفح بحذر، وتفاوض حول التهدئة بحنكة، وتزن خطواتها في كل ملف إقليمي، ليست طرفًا محايدًا بلا رأي، لكنها أيضًا ليست أداة تنفيذ. مصر طرف فاعل، لكنها ترفض أن تُستخدم.
الضغوط السياسية التي تُمارس من هنا وهناك، سواء في ملف اللاجئين أو المعونات أو حتى تمرير المساعدات، تتجاهل عن عمد أن القاهرة تدير سياستها الخارجية بمنطق الدولة، لا بمنطق رد الفعل أو الإذعان. وإن كان هناك من ينتظر من مصر أن تفتح حدودها دون شروط، أو أن تدخل معارك لا تخصها مباشرة، فعليه أن يعيد قراءة التاريخ جيدًا.
الدولة المصرية تدرك تمامًا ما يحدث حولها: التغيرات في شكل التحالفات، التحولات الإقليمية المتسارعة، وتبدل المواقف الدولية. وهي تختار التوازن، ليس ضعفًا، بل وعيًا بحجم ما على عاتقها من تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية، في الداخل كما في الإقليم.
لقد آن الأوان لأن يفهم الجميع — القريب قبل البعيد — أن مصر لن تُجبر على لعب أدوار لا تليق بثقلها. فكما كانت دومًا صاحبة القرار في الحروب، هي اليوم صاحبة القرار في السلم.
مصر ليست بوابة عبور لأجندات لا تليق بها.
وليست ممرًا آمنًا لمشروعات تهدد وجودها.
مصر دولة قرار، لا دولة انتظار.