مقالات

قوة ناعمة تنتظر التفعيل

بقلم 

شيماء إبراهيم 

لا يمكن الحديث عن المستقبل السياسي لمصر دون التطرق إلى الدور المتنامي الذي يلعبه المصريون في الخارج، والذين تجاوز عددهم 14 مليونًا وفقًا للتقديرات الرسمية. هؤلاء المواطنون لا يشكلون فقط مصدرًا هامًا لتحويلات العملة الصعبة، بل يمثلون طاقة بشرية وسياسية يمكن أن تسهم في دعم الدولة المصرية داخليًا وخارجيًا، إذا ما أُحسن استثمارها وتمكينها.

 

المشاركة السياسية للمصريين بالخارج بدأت خطواتها الأولى مع التعديلات الدستورية التي سمحت لهم بالتصويت في الانتخابات، وهي خطوة مهمة، لكنها غير كافية. فما زال التمثيل الفعلي للمصريين بالخارج في المؤسسات السياسية محدودًا، كما أن آليات التواصل بين الدولة وهذه الفئة تحتاج إلى تطوير وإعادة نظر، لضمان اندماجهم الكامل في الحياة العامة، وليس فقط استدعائهم وقت الاستحقاقات الانتخابية.

 

الإشكالية الأهم تكمن في غياب آليات دائمة للمشاركة المؤسسية، مثل إنشاء مجالس أو هيئات منتخبة للمصريين بالخارج تكون لها صلاحيات حقيقية في عرض مشاكلهم ومقترحاتهم، والمساهمة في وضع السياسات ذات الصلة بالهجرة والتعليم والعمل القنصلي. كما أن غياب تمثيل واضح في المجالس النيابية يفرغ المشاركة من مضمونها الحقيقي، ويجعلها أقرب للرمزية منها للفاعلية.

 

من جهة أخرى، فإن المصريين في الخارج يمتلكون من المهارات والخبرات والعلاقات الدولية ما يؤهلهم للعب دور في الدبلوماسية الشعبية، والترويج لقضايا الوطن في المحافل الدولية، خاصة في ظل ما يشهده العالم من صراعات إعلامية وحقوقية تحتاج إلى رواية وطنية مدعومة من قوى ناعمة مؤمنة بقضيتها.

 

ولعل من أبرز التحديات التي تواجه تفعيل هذا الدور، هو ضعف الثقة المتبادلة أحيانًا بين الجاليات في الخارج وبعض مؤسسات الدولة، نتيجة تراكمات أو قصور في التواصل المؤسسي. وهنا يأتي دور الإعلام، والمجتمع المدني، ومؤسسات الدولة في بناء جسور ثقة قائمة على الشفافية والاحترام المتبادل.

 

في النهاية، فإن المشاركة السياسية للمصريين بالخارج ليست ترفًا، بل ضرورة وطنية واستراتيجية، تفرضها طبيعة العصر، ومقتضيات المرحلة، وتطلعات الدولة نحو جمهور متفاعل ومؤثر. فكل مصري بالخارج هو سفير محتمل لوطنه، وصوت يمكن أن يُحدث فرقًا، متى ما أُعطي الفرصة والمكانة اللائقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى