مقالات

عمل أدبي قصة شـــــــــــــذا العقول

كتب : إيهاب محمد زايد

في سطور الماضي، تبرز مدينة أهناسيا التاريخية كواحدة من الشواهد العريقة على الحضارة المصرية القديمة. تقع هذه المدينة في قلب محافظة بني سويف، حيث انصهرت فيها ثقافات وعصور، فكل حجر فيها يحمل قصة، وكل زاوية تشهد على تاريخ يمتد لآلاف السنين. ولكن ما يبقى في الأذهان هو واقع المجتمع المصري، الذي يعكس مزيجًا متباينًا من التطلعات والآلام والسعادة والشكوى. ندخل إلى أروقة المدينة، فقد نلمح تواضعا يشتبك مع الكبرياء، إذ يتمسك كثيرون بالتقاليد والعادات ورغم ذلك، تجدهم يتلذذون بلعبة النفاق الاجتماعي. التواضع صار سمة مميزة في ملامح التفاخر، حيث يقبل البعض على إظهار جانبهم المتواضع أمام الآخرين، وهم في أعماقهم يرغبون في إظهار الهيبة والمقام. فكم من إنسانٍ يبتسم في وجهك ويقول “أنا لا أريد شيئًا” بينما هو يتوق إلى مديح أو اعترافٍ بقيمته. وفق دراسات علم النفس، فإن ما يُعرف بالوراثة السلوكية، حيث يتعلم الأفراد من محيطهم عادات وسلوكيات معينة، قد يُفسر لنا هذه المفارقة في التواضع. داخل المجتمع، نجد أفرادًا يتوارثون قيمًا قديمة ويحولونها إلى أدوات للتنافس، فقد كبروا مع كلمات تشجعهم على التواضع بينما الحقيقة أن الغالبية لا تسجل احترامًا صحيحًا لذلك التواضع. إحصائيات تفيد بأن أكثر من 60% من المصريين يؤمنون بأهمية التواضع كقيمة اجتماعية، لكن الواقع يقول إنهم لا يقدرون الأفراد القادرين على إظهار تلك الصفة. وهذا ما يدفع الشخص إلى التخفف من قيمته الحقيقية، ليصبح أسيرًا لآراء الآخرين، وتدخل الشخصيات كما نعتقد في دائرة الإيذاء الذاتي نتيجة عدم تقدير الذات. عند النظر في تاريخ أهناسيا، نجد أنها كانت مركزًا للعلم والثقافة، لكنها اليوم تعاني من تقلبات الجغرافيا والاقتصاد، كما يعاني الكثير من المجتمعات المصرية. يُقال إن القيم لا تنشأ في فراغ بل تتأثر بمحيطها، لذا نجد أن التقاليد العميقة في التواضع تتعايش مع ضغوط الحياة العصرية، حيث يضغط المجتمع على الأفراد ليكونوا أكثر تواضعًا أمام الظروف ويديروا ظهرهم لطموحاتهم الحقيقية. إذاً، في قلب أهناسيا حيث التجارب تعكس القصة، يتضح أن التواضع في بيئتنا ليس مجرد صفة نبيلة بل هو أيضًا سيف ذو حدين. قد يبدو للوهلة الأولى أنه سمة طيبة، لكنه قد يتحول إلى أداة لاستغلال الآخرين أو حجب القيمة الحقيقية للفرد، مهما كانت إنجازاته وإمكانياته. المجتمع المصري هو مثل تلك المدينة – قديم ولكن بحاجة إلى إعادة تقييم ما بين العظمة والجرح، التواضع والفخر، لنعيش حياة متناغمة بين الأصالة وطموح المستقبل. في قلب محافظة بني سويف، حيث تمتد الحقول الخضراء على ضفاف نهر النيل، تقع بلدة إهناسيا، تلك البلدة التي تحمل في طياتها تاريخًا عريقًا يمتد إلى عصور الفراعنة. كانت إهناسيا عاصمة مصر القديمة في عهد الأسرتين التاسعة والعاشرة لمدة تقارب قرنين من الزمان (2242 – 2452 ق.م)، وعرفت باسم أهنيس، ومنه اشتقت التسمية الحالية إهناسيا. كانت هذه المدينة مركزًا دينيًا وثقافيًا مهمًا، حيث انتسبت إلى الإله حرشف، الذي كان يُعبد في معبدها الشهير. اليوم، إهناسيا هي مركز إداري يتبع محافظة بني سويف، ويقع على بعد 17 كم غرب مدينة بني سويف، بالقرب من مدخل محافظة الفيوم. يحدها من الشرق مركز بني سويف، ومن الغرب محافظة الفيوم، ومن الشمال مركز ناصر، ومن الجنوب مركز سمسطا. يتكون مركز إهناسيا من مدينة إهناسيا و5 وحدات محلية قروية تضم 31 قرية و112 عزبة تابعة. يبلغ عدد سكان المركز حوالي 295,919 نسمة، منهم 40,853 نسمة في الحضر و255,066 نسمة في الريف.

الطفل عبداللطيف يولد في أهناسيا، ويرجع ذلك إلى عائلة محافظة تعتمد على الزراعة وتحترم القيم التقليدية. منذ فترة مبكرة في حياته، يتعلم التواضع من خلال حياته كأحد أفراد المجتمع، حيث يعيش بين الناس ويحترمهم ويسمح بالتعامل معه بتلك الحسبان. يتسم الدكتور عبداللطيف هشام بالتواضع الشديد في العديد من جوانبه، ومن أبرزها: التواضع في حديثه: يتكلم ببساطة ووضوح، غالبًا ما يعدل ما يقوله ليشعر الآخرين أنه يعتبر أنهم يفهمونه بشكل أفضل. المحبة للآخرين: دائمًا ما يكون مهتمًا بمشاعر الآخرين ويجلس معهم في المناسبات الاجتماعية ويشارك في الأنشطة التي يعيش بها الناس. الاضعاف في الأشياء: يعيش في بيئة بسيطة ومتناسبة مع احتياجاته، ويتجنب تلقاء الترفيهات والمتعة. المحافظة على ثقة الناس: يحافظ على ثقة الناس به، لا سيما لأنه يساعد كل من يحتاج له. التعاطف: دائمًا ما تكون مهتمًا بمشاعر الآخرين ويشعر بالتعاطف تجاههم، حتى إذا كانوا يعانون أو يختلفون معه في الرأي. ومن أبرز صفاته أنه لا يتكبر أو يرفض من يحتاج لهداياه أو نصائحه، ويظل مستعدًا دائمًا لمساعدة أي شخص في حاجة إليه.  

سليم هو تجسيد للكبرياء والغطرسة، شخصية تعكس جانبًا آخر من المجتمع، الذي يتعايش فيه تناقضات قيمة بين التواضع والتفاخر. إليك بعض صفاته التي تمثل ضد د. عبداللطيف هشام: الكبرياء والتفاخر: يظن سليم أنه يعرف كل شيء. يتحدث بصوت عالٍ وثقة مفرطة، حتى عندما يكون رأيه غير صحيح. يعتبر نفسه حاملًا لراية الحكمة، وهو بذلك يضع نفسه فوق الآخرين، متجاهلًا آراءهم وأفكارهم. عدم الاهتمام بالآخرين: لا يعبأ بمشاعر الآخرين أو احتياجاتهم. فهو يفضل أن يكون مركز الاهتمام، ولا يتردد في تقديم نفسه كأكثر الأفراد أهمية في أي محادثة، مما يجعل المحيطين به يشعرون بالاستبعاد. التصلب في الرأي: يتسم سليم بالتصلب الفكري، حيث يرفض استيعاب أي فكرة جديدة أو نصيحة تحاول تغيير رؤيته. يظل مُصِرًا على موقفه حتى عندما يتبين له خطأه، مما يعكس عدم استعداده للتطور أو التعلم.

 

الخداع الاجتماعي: يمارس سليم لعبة النفاق الاجتماعي بمهارة، حيث يحاول إظهار نفسه كشخص نزيه وذو قيم بينما يختبئ خلف قناع من الكبرياء. يتسلى بمظاهر التواضع، لكنه في الداخل يرتدي ثوب التعالي. تجاهل القيم الحقيقية: يعتقد سليم أن النجاح يُقاس بالمظاهر والمال، لذا يسعى لجمع الثروات والمظاهر الفاخرة لتعزيز صورته الاجتماعية، بغض النظر عن القيم الحقيقية للإنسانية أو التعاون.

انغلاق التفكير: يثير سليم الاستغراب، فهو يعتبر نفسه محور العالم، مما يجعله ينغلق على أفكاره الخاصة. يعتبر الحوار مع الآخرين مضيعة للوقت، وبالتالي يفقد القدرة على فهم وجهات نظر جديدة. في مجمل الأمر، تعكس شخصية سليم صورة مقلوبة للدكتور عبداللطيف هشام، حيث يتميز بالاستعلاء والغطرسة، ويفتقر إلى التعاطف والاحترام للآخرين. وفي قلبه، يختبئ شعور عميق بعدم الأمان، يسعى إلى تغطيته بمظاهر القوة، لكن في النهاية، هو مجرد سجين لتصوراته الشخصية، يفتقد للنضج الحقيقي الذي يفتح الأبواب أمام الرحمة والفهم.

في إهناسيا، نلتقي بـ د. عبداللطيف هشام ، طبيب شاب في الثلاثينيات من عمره، عاد إلى قريته بعد أن أكمل دراسته في القاهرة. كان د. عبداللطيف هشام معروفًا بتواضعه وحبه لمساعدة الناس، خاصة الفقراء الذين لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج. كان يؤمن بأن العلم والمعرفة هما وسيلة لتغيير المجتمع، وكان دائمًا ما يقول: “الجهل ليس عيبًا، لكن التمسك به هو الكارثة.” على الجانب الآخر، نجد سليم، رجل في الأربعينيات من عمره، يعمل تاجرًا في سوق إهناسيا. كان سليم معروفًا بكبريائه واعتقاده بأنه يعرف كل شيء. كان دائمًا ما يتحدث بثقة مفرطة، حتى عندما يكون مخطئًا، وكان يرفض أي نصيحة أو رأي يخالف أفكاره.

ذات يوم، انتشرت في إهناسيا موجة من الأمراض الموسمية، خاصة بين الأطفال. د. عبداللطيف هشام عمل ليل نهار لعلاج المرضى، وكان يقدم النصائح الصحية للناس مجانًا. في أحد الأيام، زار سليم عيادة د. عبداللطيف هشاممع ابنه الصغير الذي كان يعاني من ارتفاع في درجة الحرارة. بعد الكشف، نصحه د. عبداللطيف هشامبإعطاء ابنه دواء معين وتجنب بعض الأطعمة التي قد تزيد من حالته سوءًا. توفي العديد من الأطفال ولم يعبئ سليم ببكاء الاهالي وجنح إلي كبريائه علي حساب موت الاطفال ولم يخضع سليم إلي المزج بين العلم الحديث و الطب الشعبي

فقد كان سليم، الذي كان يعتقد أنه يعرف كل شيء عن الطب الشعبي، رفض نصائح د. عبداللطيف هشام وقال: “أنا أعرف أكثر منك، دكتور! أنت شاب ولا خبرة لك.” حاول د. عبداللطيف هشام أن يشرح له بأدب أن الطب الحديث يعتمد على أبحاث علمية، لكن سليم كان متصلبًا في رأيه. بعد أيام، تفاقمت حالة ابن سليم، واضطر إلى نقله إلى المستشفى في بني سويف. هناك، أخبره الأطباء بأن حالة ابنه كانت بسيطة، لكن إهمال العلاج أدى إلى تفاقمها. شعر سليم بالندم، لكن كبرياءه منعه من الاعتراف بخطئه. عاد إلى إهناسيا، لكنه تجنب د. عبداللطيف هشام ولم يعتذر له. د. عبداللطيف هشام ، الذي كان يعلم بما حدث، قرر أن يتصرف بحكمة. لم يذهب لمواجهة سليم أو لومه، بل استمر في عمله بتواضع، مؤمنًا بأن الكبرياء هو أسوأ أعداء الإنسان. كان دائمًا ما يردد مقولة د. مصطفى محمود: “إن الإنسان إن لم تقنعه لم يفهم، فهو لا يريد أن يفهم.” واستمرت رائحة الموت تستمر بالمكان وأستمر الكبرياء ملبسا لزينة سليم

إن الكبرياء كآلية دفاع وفقًا لعلم النفس، الكبرياء يمكن أن يكون آلية دفاعية يستخدمها الإنسان لحماية نفسه من الشعور بالنقص أو الفشل. سليم، الذي رفض نصيحة د. عبداللطيف هشام، ربما كان يعاني من شعور داخلي بعدم الأمان، مما دفعه إلى التمسك بآرائه حتى في مواجهة الأدلة العلمية. إحصاء: تشير الدراسات إلى أن 60% من الأشخاص الذين يرفضون النصائح الطبية يعانون من مشاكل نفسية مثل القلق أو الاكتئاب. هناك دور المجتمع في تشكيل السلوك في مجتمعات مثل إهناسيا، حيث يعتمد الكثيرون على الطب الشعبي كان عليهم أن يؤمنواب بالعلم مع العادات و التقاليد، يمكن أن يكون هناك مقاومة للتغيير بسبب التقاليد الثقافية الراسخة. سليم، الذي نشأ في بيئة تعتمد على الطب الشعبي، ربما كان يعتقد أن هذه الطرق هي الأفضل. إحصاء: وفقًا لدراسة أجريت في مصر، 40% من سكان الريف يفضلون الطب الشعبي على الطب الحديث بسبب التقاليد الثقافية وهذا يحتاج ثورة مفاهيم وتجديد بالتقاليد تري هل يحدث ذلك بكل ركن بمصر. بعض من الفساد الإداري وتأثيره على الثقة الفساد الإداري في إهناسيا، كما هو الحال في العديد من المناطق الريفية في مصر، يمكن أن يؤدي إلى انعدام الثقة في المؤسسات الرسمية، بما في ذلك المؤسسات الطبية. هذا يمكن أن يفسر جزئيًا لماذا كان سليم متشككًا في نصائح د. خالد. وهناك إحصاء: وفقًا لمؤشر الفساد العالمي، مصر تحتل المرتبة 117 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد. معني إدارة أزمة هو دفع البشرية للتعاون لو لم يكن هناك أزمات ما تعاونت البشرية مطلقا الازمات و الطوارئ وجدت من أجل الايخاء من تنفيذ دعوة التعاون ثمرة البشرية هذا مالا يفهمه سليم في تواضع دكتور عبداللطيف هشام إن الادارة من ركنها الاهمية أهمية القيادة التواضعية د. عبداللطيف هشام يمثل نموذجًا للقيادة التواضعية، حيث يعطي الأولوية لاحتياجات المجتمع على حساب مصلحته الشخصية. هذا النوع من القيادة يمكن أن يكون فعالًا في تغيير السلوكيات المجتمعية. إحصاء: تشير الدراسات إلى أن 70% من الموظفين يفضلون العمل تحت قيادة متواضعة ومرنة. نحن نحتاج إلي أهناسيا المعابد كم نحتاج إلي إهناسيا العلم هذه أفعال دكتور عبداللطيف هشام دون أمر من قيل وقال إن من يملك الحكمة يملك التواضع وإن العلم هو الطريق إلي الحكمة والتواضع وهذا الصراع بين التواضع وكبرياء الجهل تظهره هوه في مفاهيم إهناسيا هذا ما يشرحه الدكتور عبداللطيف هشام من جراء أحاديث في بخار تصاعد أرواح الاطفال بين الشمس التي تغيب كل ثانية بين المطر الذي يزف الاجساد إلي المقابر و علي رأس كل هذا وشاح أسود يرتديه الجهل بملابس سليم، إن تاريخنا بأهناسيا لا يعني أن نعبده بل نستخدمة وإن تفارخنا بالمعابد لا جدوي منه إن ماتت الأطفال بالطب الشعبي غير المدروس هذه عقول قد أجدهت فإن لم نضيف إلي عقولنا فمن يكون نحن غير موتي أحيا هذه مواجهة بين شوارع أهناسيا بين مؤيدين الدكتور عبداللطيف هشام وبين سليم صاحب الكبرياء الذي ينمع نمو النباتات في حقولها كما يمنع أعشاش الطيور وصيحاتها التي تغضب من كسر الفروع التي تحملها من أجل أن نسكن في ماضي سيحق ونقدسه دون أن نتعلم منه. ومن خلال التنمية البشرية نبلغ أهمية التعليم والتوعية التعليم والتوعية يمكن أن يكونا أدوات قوية لتغيير السلوكيات المجتمعية. د. عبد اللطيف هشام، من خلال عمله في إهناسيا، كان يحاول تعزيز الوعي الصحي بين السكان. إحصاء: وفقًا لليونسكو، زيادة معدلات التعليم بنسبة 10% يمكن أن تقلل من معدلات الفقر بنسبة 30%. فالتواضع ليس ضعفًا في النهاية، تعلم د. عبداللطيف هشام أن التواضع ليس ضعفًا، بل قوة. لقد فهم أن الناس تتغنى بالتواضع، لكنها لا تأخذ صاحبه بجدية. ومع ذلك، قرر ألا يخفض جناح التواضع من باب الاحترام لمن لا يحترمه. كان يعلم أن وقته وجهدها ثمين، وأنه لا يجب أن يضيعها في محاولة إقناع من لا يريد أن يفهم. أما سليم، فقد تعلم درسًا قاسيًا عن الكبرياء، لكنه كان درسًا ضروريًا. بدأ يتغير تدريجيًا، وأصبح أكثر انفتاحًا على آراء الآخرين، خاصة بعد أن رأى كيف أن تواضع د. عبداللطيف هشامأنقذ حياة الكثيرين في إهناسيا. هكذا، تظل إهناسيا بلدة تحمل في طياتها دروسًا إنسانية عن التواضع والكبرياء. فالتواضع ليس مجرد فضيلة، بل هو قوة تغير المجتمع، بينما الكبرياء هو سجن يمنع الإنسان من التعلم والنمو. وفي النهاية، كما قال د. مصطفى محمود: “لا تصير مؤدبًا بزيادة.” فالتواضع له حدود، والكبرياء له عواقب. هكذا، تظل إهناسيا بلدة تقدم دروسًا للحياة عن التواضع والكبرياء، وتذكرنا بأن أكبر خطيئة في حق أنفسنا هي أن نخفض جناح التواضع لمن لا يستحقه.

في قلب تلك المدينة العريقة، أهناسيا، حيث ينسج التاريخ خيوطه الذهبية، نجد أن الحياة ليست مجرد حكايات تروى، بل هي مجتمع يتمازج فيه الطموح بالتقاليد، ويعكس أفراده طبيعة إنسانية متعددة الأبعاد. في هذه المدينة، التي شهدت أعظم حضارات الزمن، يعيش أهلها بين ثنائيات التواضع والكبرياء، معانٍ عميقة تتراءى من خلال تجارب يومية وأفكار متباينة. إن ما قد يبدو لنا غباءً أو قصورًا، قد يكون في جوهره اختلافًا ثقافيًا أو نقصًا في التجربة، فتدخل الحكمة إلى قلوبنا وتخبرنا بأن الإنسان ليس مجرد عنوان على ورقة، بل هو كائن محمل بقصص، تطعّم افكاره في مجرى الحياة. وإذا كان لعذرٍ بعدٌ كبيرٌ في تقبّل المختلف، فإنه يُسهم في نثر بذورمن التسامح والمحبة، فينمو النسيق دون جدران. لكن، حين تلتقي بعقول متصلبة وكبرياء مفرط، حينها تتجلى الحقيقة التي لا مناص منها. فلنسلط الضوء على ما قاله العالم د. مصطفى محمود، حيث لامس بذلك صميم التجربة الإنسانية: “عندما تصادف من لا يريد أن يفهم، عليك أن تعرف أن تعنتهم يطلب العقاب”، فليس كل اختلاف يُمكن احتواؤه بقبول أو تسامح، فهناك من يرفع رايات الجمود كأنها شعاراتٍ تدعو للخلاف بدلًا من التواصل. في مشهد اجتماعي يتداخل فيه الغني بالفقير، والمثقف بالجاهل، يبقى التواضع ضرورة ملحة؛ لكنه ليس تلك الصفة السمحة التي يتم التفاخر بها. بل هو، إن كان حقيقيًا، يعكس انفتاحًا على العالم، وقدرة على الحوار وتقبل الآخر. في لحظات السعادة والآلام، يُظهر المجتمع المصري كيف يراوح بين التاريخ والحاضر، وبين الكرامة والتحديات، ليظهر لنا أن الحياة ليست فقط دروسًا لا تُؤخذ بعين الاعتبار، بل هي سيرورة تنمو وتتجدد بمرور الوقت، تحمل في طياتها رسائل حب وتفهم بين البشر. في النهاية، وكما يزخر التاريخ في أروقة أهناسيا بقصص الحكماء والأبطال، فإن أبناء هذه المدينة هم شجعان من نوع آخر، يقاومون التعنت والجهل، ويبحثون عن أفق من الحوار والتفاهم، ليظلوا كتلة متكاملة من التنوع والجمال البشري. فلكل فرد في هذه الحياة قصة تستحق أن تُروى، ولكل رأي وزن يستحق أن يُسمع، فالنجاح الحقيقي يكمن في قدرتنا على الاحتفاظ بمساحات الرحمة والتفاهم في قلوبنا، حتى في وجه التحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى