المزيد

عروض مجانية لدخول النار !!

بقلم/د محمد جاد الزغبي

هل يوجد عاقل على وجه الأرض يرضي أن يكون مصيره النار ــ عياذا بالله ــ ومجانا .. دون حتى أن يكون من أصحاب الذنوب والمعاصي أو الشرك الذين رضوا بمغريات الدنيا واستمعوا بها على الأقل ! ,
فما بالنا بأولئك الذين يغامرون بدخولها وهم لم يرتكبوا ذنبا يستحقها , بل على العكس ربما كان بعضهم من أهل الطاعة والتقوى ! , فيغامر بدخول النار بجواز سفر دبلوماسي لمجرد الحماقة لا أكثر ! , والقصة تكمن فى عملين محددين إن وقع فيهما المسلم فقد غامر بهذه الحماقة مع رب العالمين وخسر خسرانا مبينا ..
الأول : هو أعظم مستويات الشرك نعوذ بالله منه , لأن الشرك أنواع ومراتب كسائر المعاصي , أقصاها وأعلاها هو أن نتألى على الله أو نقول على الله ما لا نعلم , وذلك مصداقا لقول الحق سبحانه ..
( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
ونلاحظ فى الآية الكريمة ترتيب الكبائر العظام من الفواحش ثم الإثم والبغي ثم الشرك ثم أسوأ أنواع الشرك وهو أن نقول على الله ما لا نعلم , وتكمن الكارثة فى أن هذا الفعل ( القول على الله بلا علم ) سائد ومنتشر فى كلامنا وتصرفاتنا بعكس كبار الفواحش التى لا زال الكثير يتوقاها , وباختصار نقول أن القول على الله بغير علم ليس فقط أن تدعى على الدين ما ليس فيه بل المصيبة الأعظم أن تجزم بغيب لا يعلمه إلا الله فتقول بوقوعه دون دليل واحد , ومن المستحيل أن تجد دليلا لأن الغيب ــ بخلاف الغيب المذكور بالقرآن والسنة ــ سر مغلق محرم علينا تماما الجزم به وأعلاه الجزم بمصائر الناس فى الجنة والنار !
وقد جاء سائل إلى الإمام العظيم سعيد بن جبير يسأله أن يوصيه بشئ ينجيه من النار فما قال له شيئا إلا هذه العبارة ( إن استطعت ألا تشهد لأحد بجنة أو بنار فافعل ) , لأنه بعد الصحابة والمشركون الأوائل ومن تم ذكرهم فى القرآن بمصير الجنة والنار محرم تماما أن نجزم بمصير أحد إلا على سبيل الدعاء والظن فقط مع رد الحكم لله ..
وهناك أقوال شبيهة بهذا الفعل لا يتم ذكر الجنة والنار وهى أكثر إنتشارا ألا وهى مسألة تفسير بعض وقائع التاريخ على أنها انتقام إلهى من فلان أو علان , فهذا داخل أيضا في التألى على الله لأنك لا تملك إثباتا لهذا لا سيما إن كان الصراع يدور بين مجموعة من الظالمين أصلا يسلطهم الله على بعضهم البعض فتأتى أنت بمنتهى الحماقة فتقول إن الله انتقم من الحاكم فلان لأنه ظلم الحاكم علان ..
وانت مال أهلك أساسا وايش أدراك , ومسألة أن الله عز وجل ينتقم لأحد فهذه كرامة محصورة فقط لخاصة أوليائه فمن أين أتاك العلم أن هذا الشخص الذى تدافع عنه كان وليا لله ؟!
الثانى : والفعل الثانى المنتشر أيضا والذى لا يقل خطورة , هى مسألة الدخول فى معترك النقاشات السياسية حول الحكام من باب تأييد أحدهم وكراهية الآخر , وهذه حماقة مركبة , لأن التعامل مع الحكام أساسا غير مسموح فيه باستخدام الحب والكره لسبب بسيط , لأن تأييد حاكم وحبه معناه أنك وضعت نفسك معه يوم القيامة ومصيرك سيكون من مصيره كاملا غير منقوص بينما أنت مجرد ناعق بصوتك ما شاركته حكمه ولا نلت منه شيئا وإنما تأييدك وحبك له من باب المخاصمات السياسية غير المجدية
والدليل على ذلك ما ورد فى الأثر أنه ينادى مناد يوم القيامة ( فليقم الظلمة وأعوانهم فلا يتبقي أحد مد لهم مدادا أو حبر لهم محبرة أو خاط لهم ثوبا إلا قام معهم )
فإذا كانت مجموعة أعوان الظلمة ستضم كل من خدمهم خدمات عادية كخيط الثياب وتجهيز الأوراق بشرط أن تكون تلك الخدمة نابعة من حبهم للحاكم الظالم , فما بالنا بمن أيدهم على ظلمهم وشجعهم ودافع عنهم , فهذا بالإجماع مضموم إليهم يوم القيامة كتفا بكتف لأن المؤيد مشارك
والحل أن تتعامل مع السياسات والأفعال لا مع الحكام , فتقول أؤيد الفعل الفلانى وأبرأ إلى الله من الفعل العلانى , وحتى إن أيدت فعلا فلابد أن يكون تأييدك على سبيل الظن لا اليقين طالما أنك لست من ضمن متخذى القرار
فانتبهوا لكلماتكم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى