مقالات

حروب الجيل الخامس التهديد الخفي للأمن القومي المصري

بقلم : شيماء إبراهيم 

في زمن لا تُخاض فيه الحروب دائمًا بالسلاح، أصبحت المعارك تُدار في العقول قبل أن تُدار على الأرض. تمثل حروب الجيل الخامس (5GW) نقلة نوعية في مفاهيم الصراع، حيث يتراجع فيها الاستخدام المباشر للقوة العسكرية، لتحل محلها أدوات أكثر خفاءً ودهاءً، كالإعلام الموجه، التضليل الرقمي، الحروب النفسية، والهجمات السيبرانية.

 

لم تعد الدول تُستهدف فقط على حدودها، بل في داخل نسيجها المجتمعي، وثقة شعوبها بمؤسساتها. في الحالة المصرية، تظهر هذه الحرب جلية في محاولات دؤوبة لخلق فجوة بين المواطن ودولته، عبر بث الشائعات، ونشر روايات بديلة مشوهة، واختلاق أزمات وهمية، واستغلال الضغوط الاقتصادية والاجتماعية كمنصات ضغط داخلية.

 

تعتمد حروب الجيل الخامس على آليات حديثة، من بينها استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الرأي العام وتوجيهه، وتوظيف مواقع التواصل كسلاح ناعم لتفكيك ثوابت المجتمع. وهي حرب غير مرئية، لا يُطلق فيها رصاص، لكنها تُحدث جروحًا عميقة في ثقة الشعوب بنفسها وبدولتها.

 

وتكمن خطورة هذه الحرب في أنها لا تستهدف الجيوش، بل تهاجم الإدراك الجمعي، وتُعيد تشكيل وعي الأفراد بطريقة تُفضي إلى التفكيك من الداخل. إنها حرب “تجريدية” بالأساس، تؤدي إلى إضعاف الروح الوطنية وتآكل الانتماء.

 

أمام هذا التهديد، اتخذت الدولة المصرية خطوات مهمة، من أبرزها دعم خطاب إعلامي وطني عقلاني، وتوسيع دوائر الوعي في المدارس والجامعات، وتطوير البنية السيبرانية للأمن القومي. لكن تبقى المعركة الأهم هي “معركة الوعي”، التي تستدعي تضافرًا وطنيًا بين الدولة والمجتمع المدني، والمثقفين، والمؤسسات الإعلامية.

 

إن الدفاع عن الأمن القومي لم يعد مهمة السلاح وحده، بل أصبح مسؤولية مشتركة، عنوانها “الوعي أولاً”، وفحواها أن الجبهة الداخلية أقوى خط دفاع عن الدولة. وإذا كان العدو الجديد لا يُرى، فإن السلاح الأنجع لمواجهته هو عقل مستنير، ومواطن يدرك حجم المعركة ويختار أن يكون جزءًا من حلّها. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى