تفيد بإيه يا ندم؟ بقلم عبدالفتاح موسى

تفيد بإيه يا ندم؟ لم تكن مجرّد كلمات تغنّت بها أم كلثوم في رائعة “فات الميعاد”… بل كانت صفعة شعورية توقظ القلب، ومرآة نرى فيها وجوهنا حين يطول بنا الطريق، وتسبقنا الخسارات، ونقف متأخرين عند أبواب اغلقها الزمن.
تتسلل هذه الجملة إلى أعماق النفس فتوقظ فيها سؤالًا مخيفًا:
هل فات الأوان؟
هل ما زال للندم معنى؟
أم أنه جاء متأخرًا لا يُجدي… ولا يُغني عن شيء؟
لكن…
قبل أن نُدين هذا الندم أو نحتضنه، لا بد أن نُفرّق بين نوعَين منه:
أحدهما وهمٌ يُثقِل القلب، والآخر نورٌ يهدي إلى الصلاح.
هناك الندم الذي لا داعي له
هو ذاك الشعور الذي يتسلّل إلينا حين نتذكّر قرارات حياتية لم تسر كما أردنا.
نتحسّر على فرصة عمل لم نغتنمها، أو علاقة لم نُفصح عنها، أو طريق دراسي غيّرنا مساره أو قرار خاطئ نتمني اصلاحه.
لكن، هل كان بإمكاننا أن نعرف ما هو الخير آنذاك؟
ألسنا بشرًا، محدودي الرؤية، لا نُدرك الغيب ولا نعلم أين يضع الله الخير؟
أحيانًا، يكون ما فاتنا شرًا صرفه الله عنا بلطفه، أو خيرًا لم نكن مستعدّين له.
وأحيانًا، يكون الخطأ منا، لكن الميعاد قد فات،
فما الذي سنجنيه من الندم سوى جلد الذات وتعذيب الروح؟
في هذا النوع من الندم، لا مفر من التصالح مع الماضي، والرضا بما قسمه الله،فالقلق لا يُغيّر القدر، والنحيب لا يُعيد الفرص.
كُن راضيًا… وواصل الحياة بقلب ممتن،
ففي كل خسران……درس
وفي كل عثرة…….حكمة.
وهناك أيضا الندم الذي يُنقذ الروح
هو الندم على الذنوب…
على ظلم ارتكبناه، أو حق ضيّعناه، أو كذب نطقناه، أو مال أخذناه بغير حق، أو نفسٍ جرحناها بكلمة أو خيانة.
هذا الندم، هو بداية اليقظة.
هو الألم الذي يُطهّر القلب، ويقودنا إلى باب التوبة،فلا توبة بلا إحساس، ولا استغفار يُقبل بلا ندم صادق.
في هذا النوع من الندم، يكون الرجوع إلى الوراء واجبًا لا ضعفًا…
فكيف تطلب غفران الله وأنت لا تزال تُسيء للعباد؟
وكيف تقول: “أستغفر الله” وفي عنقك مظلمة لأحدهم؟
اعلم أن باب الله مفتوح،
لكنّه لا يُفتح لقلبٍ لم ينكسر على ذنب، ولم يشعر بالحسرة على ما كان.
وهذا النوع من الندم لا يفوته الأوان…
إلا إذا فاجأتك منيتك.
وقتها فقط… يصبح الندم حسرة لا تُجدي.
قال تعالى: “حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴿99﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ”
[المؤمنون: 99-100]
فإن كنت ستندم، فاجعل لندمك معنى.
ولْيكن بداية تغيير لا مرارة ضعف.
وابكِ على الذنب لا على فوات الدنيا،
فالدنيا تُعوض…أما الآخرة، فلا تعويض فيها.
و في النهاية ” تفيد بإيه يا ندم؟”
إن كان على دنيا فلا يفيد…
وإن كان على ذنب……فهو طوق النجاة
فعليك أن تختار ندمك قبل ان تختارك الحسرة.