مقالات

هل نستحق ديمقراطية لا نحترمها؟ 

بقلم : شحاته زكريا

نُحب أن نردد كلمة “الديمقراطية” في محاضراتنا، وخطبنا، ومنشوراتنا، وربما في صمتنا الغاضب حين لا تسير الأمور كما نحب. نتغنى بها حين نخسر، ونطالب بها حين نُقصى، ونرفعها حين نشعر بالظلم. لكن السؤال الذي قلما نواجهه بصدق هو: هل نمارسها حقا؟ هل نحترمها كما يجب؟ وهل نحن مستعدون لتحمل مسؤولياتها؟

 

الديمقراطية ليست لافتة نرفعها عند الحاجة ولا صندوقا نحتكم إليه كل بضع سنوات. إنها ثقافة يومية.تبدأ من احترام الآخر.ولا تنتهي عند الالتزام بالقانون. والاحترام هنا ليس مجرد سلوك شخصي بل قاعدة حياة. احترام الإنسان لمجرد كونه إنسانا بغض النظر عن فكره أو موقفه أو لونه أو طبقته.

 

في واقعنا كثيرا ما نجد أنفسنا ننقض هذه القيم. نرفض الآخر لأنه يختلف معنا لا نستمع حين نتكلم نصرخ بدلا.من أن نتحاور ونعتبر الخلاف خيانة لا اختلافا. نطالب بحرية الرأي لكننا لا نتقبل إلا الرأي الذي يُشبهنا. نغضب حين تُمارس ضدنا السلطة لكننا نُكررها ضد من حولنا في أول فرصة.

 

في السياسة نُدافع عن الديمقراطية حين تكون في صفنا ونتبرم منها حين تأتي بخصومنا. نُشهر سلاح “إرادة الشعب” حين نربح ونطعن فيه حين نخسر. حتى في تفاصيل حياتنا اليومية ، لا يبدو أننا نملك استعدادا حقيقيا لقبول النظام ، أو الالتزام بالضوابط. نكسر الطوابير، نتجاوز الإشارات، ونتعامل مع القواعد على أنها مجرد “اقتراحات” يمكن التحايل عليها.

 

كيف يمكن للديمقراطية أن تنمو في بيئة لا تحترم القانون؟ أو في مجتمع لا يقدّس الحق ، ولا يرى في الحوار أداة تقدم بل وسيلة للجدل والمماحكة؟

كيف نُطالب بدولة ناضجة ونحن لا نقبل إلا بما يرضينا، ولا نثق إلا فيما نردده، ولا نؤمن إلا بما نُحسن التلاعب به؟

 

الديمقراطية ليست في الآليات وحدها بل في جوهر القيم. في أن تكون الهزيمة مقبولة مثل النصر ، والرأي الآخر مرحبا به مثل الرأي المؤيد ، والسلطة وسيلة لا غاية. وهي قبل ذلك كله.مسؤولية. مسؤولية أن نكون أمناء على حق الاختلاف أن نحترم صوت الأقلية كما نحترم رأي الأغلبية، وأن ندرك أن الخطأ وارد ، والإصلاح دائم ، والمجتمع لا يبنى بيد واحدة.

 

الاختبار الحقيقي للديمقراطية ليس حين تُرضينا نتائجها بل حين لا تفعل. حين نخسر، ونقبل، ونُراجع، لا نُكفّر ونُخوّن. حين نعارض دون أن نهدم ، وننتقد دون أن نُهين، ونُخطّئ دون أن نُقصي.

 

نحن بحاجة إلى صبر طويل. إلى تربية قيمية تسبق المشاركة السياسية. إلى مدارس تعلمنا كيف نختلف ومساحات إعلامية تدرّبنا على الإنصات ومؤسسات تُرسّخ أن القانون فوق الجميع، لا فوق البعض فقط.

نطمح لديمقراطية حقيقية نعم. لكن السؤال الصادق والأكثر إلحاحا:

هل نحن مستعدون لها؟ وهل نملك ما يجعلنا نستحقها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى