إقبال قياسي على معرض ذهب الفراعنة في طوكيو

إقبال قياسي على معرض ذهب الفراعنة في طوكيو
مازن سيد
أذهلت الحضارة المصرية القديمة العالم بإنجازاتها العظيمة، وها هو رمسيس الثاني، أحد أعظم فراعنة مصر، يواصل إبهار الجماهير حتى يومنا هذا.
في العاصمة اليابانية طوكيو، يشهد معرض “ذهب الفراعنة” حضورًا قياسيًا، حيث يتوافد الآلاف يوميًا لرؤية القطع الأثرية النادرة التي تروي قصة رمسيس الثاني وإرثه العريق.
يعكس هذا الإقبال الجماهيري الكبير مدى شغف اليابانيين بالحضارة المصرية، ومدى تأثير الفن المصري القديم على الثقافات المختلفة حول العالم.
منذ افتتاحه، أصبح المعرض واحدًا من أبرز الفعاليات الثقافية في اليابان، حيث يُقدم للجمهور تجربة فريدة من نوعها تجمع بين العراقة المصرية والتكنولوجيا الحديثة.
فما هو سر هذا الإعجاب الكبير برمسيس الثاني؟ ولماذا يستهوي “ذهب الفراعنة” الجمهور الياباني بهذه الصورة الاستثنائية؟ هذا ما سنستكشفه في هذا التقرير .
يُعتبر رمسيس الثاني أحد أعظم ملوك مصر القديمة، حيث حكم لأكثر من 66 عامًا (1279-1213 ق.م) خلال عهد الأسرة التاسعة عشرة. اشتهر بإنجازاته العسكرية، وتشييده للمعابد الضخمة، وأعماله الفنية التي لا تزال مبهرة حتى اليوم.
ومن أبرز إنجازاته: معركة قادش: التي خاضها ضد الحيثيين، والتي تُعد واحدة من أقدم المعارك الموثقة في التاريخ.
معابد أبو سمبل: التي شُيدت بأمره ولاتزال شاهدة على عظمة العمارة المصرية القديمة.
التماثيل الضخمة: التي خلّدت صورته في العديد من المعابد، ومنها التمثال الشهير الموجود اليوم في المتحف المصري الكبير.
لم يكن رمسيس مجرد حاكم قوي فحسب، بل كان أيضًا راعيًا للفنون والثقافة، وهو ما يظهر جليًا في القطع المعروضة في “معرض ذهب الفراعنة”.
يقام المعرض في المتحف الوطني للفنون في طوكيو، ويضم أكثر من 150 قطعة أثرية، بعضها يُعرض لأول مرة خارج مصر. يقدم المعرض للزوار تجربة غامرة باستخدام أحدث التقنيات التفاعلية، مما يجعلهم يعيشون أجواء مصر القديمة بكل تفاصيلها.
أبرز معروضات المعرض
1- تمثال رمسيس الثاني: أحد أكثر القطع جذبًا للزوار، حيث يُظهر الملك في وضعية ملكية مهيبة، مرتديًا التاج المزدوج، رمز حكمه لمصر العليا والسفلى.
2- المجوهرات الذهبية: التي تعكس مهارة المصريين القدماء في فنون الصياغة، حيث أذهلت الزوار بدقتها وتصميماتها المبتكرة.
3- التمائم والتعاويذ السحرية: التي كان يُعتقد أنها تحمي الملك في الحياة وبعد الموت.
4- لوحات ونقوش معبدية: تروي قصص المعارك والاحتفالات الكبرى التي شهدها عصر رمسيس.
إلى جانب المعروضات الأصلية، يستخدم المعرض تقنيات الواقع الافتراضي (VR) لإعادة بناء مشاهد من حياة رمسيس الثاني، مما يسمح للزوار “بزيارة” المعابد ورؤية الأحداث كما لو كانوا يعيشونها في الزمن القديم.
ويشهد المعرض إقبالًا غير مسبوق من الزوار اليابانيين، حيث تصطف الطوابير يوميًا أمام المتحف، ويصل متوسط عدد الزوار اليومي إلى 10,000 شخص، وهو رقم قياسي مقارنة بالمعارض السابقة. فما السر وراء هذا الاهتمام الكبير؟
1- الشغف الياباني بالتاريخ القديم
يعشق اليابانيون التاريخ العريق، وتثير الحضارة المصرية فضولهم نظرًا لقدمها وتأثيرها على العالم.
يشبهون الفراعنة بالشوغونات (القادة العسكريين في اليابان القديمة)، مما يجعلهم يشعرون بارتباط ثقافي مع هذه الشخصيات العظيمة.
2- التقارب بين الثقافتين المصرية واليابانية
رغم البعد الجغرافي، إلا أن الاحترام الكبير للأسلاف والميل إلى الرمزية الدينية في الحياة اليومية يجمع بين الثقافتين.
المصريون القدماء واليابانيون كلاهما اهتموا بفكرة الخلود، سواء من خلال الأهرامات أو من خلال المعابد اليابانية القديمة.
3- تأثير السينما والأنمي
لعبت الأفلام اليابانية والأنمي دورًا كبيرًا في تعزيز الاهتمام بالحضارة المصرية. العديد من أعمال الأنمي اليابانية تضمنت شخصيات مستوحاة من الفراعنة، مما خلق شغفًا لدى الأجيال الشابة.
أفلام مثل “يوغي يو!” و”رحلة إلى مصر” ساهمت في زيادة الفضول حول الفراعنة، خاصة بين الشباب.
4- التكنولوجيا الحديثة تعزز التجربة
استخدام تقنيات الواقع الافتراضي جعل المعرض أكثر جاذبية للزوار، وخاصة الشباب الذين يفضلون العروض التفاعلية.
الشراكة مع شركات يابانية مثل Sony وPanasonic ساهمت في تقديم المعروضات بشكل حديث يجمع بين الأصالة والتكنولوجيا.
التأثير الثقافي والسياحي لمعارض الآثار المصرية
لم تقتصر فوائد معرض “ذهب الفراعنة” على الجانب الثقافي فقط، بل امتدت إلى تعزيز السياحة في مصر من خلال:
1- زيادة عدد السياح اليابانيين إلى مصر
بعد زيارة المعرض، يرغب العديد من اليابانيين في زيارة مصر لرؤية المعابد والأهرامات على أرض الواقع.
شركات السياحة اليابانية بدأت في تقديم عروض سياحية خاصة تحت شعار “اكتشف مصر مع رمسيس”.
2- تعزيز التعاون الثقافي بين مصر واليابان
فتحت هذه المعارض آفاقًا جديدة للتعاون الثقافي بين البلدين، مثل تبادل الخبرات في مجال ترميم الآثار.
الجامعات اليابانية أبدت اهتمامًا متزايدًا ببرامج دراسة المصريات، مما يعزز الأبحاث الأثرية المشتركة.
3- الترويج للحضارة المصرية عالميًا
نجاح المعرض في طوكيو جعله نموذجًا يحتذى به في دول أخرى، حيث تسعى مصر لتوسيع عروضها المتجولة إلى أوروبا وأمريكا.
أصبحت المعارض الأثرية المصرية من أهم أدوات القوة الناعمة التي تعزز صورة مصر عالميًا.
يواصل رمسيس الثاني إبهار العالم حتى بعد آلاف السنين من وفاته، ويثبت أن الحضارة المصرية القديمة لا تزال حيّة في قلوب الملايين.
الإقبال القياسي على معرض “ذهب الفراعنة” في طوكيو يعكس الشغف العالمي بالحضارة المصرية، ويؤكد أن الفراعنة لا يزالون يحكمون خيال الناس في مختلف بقاع الأرض.
مع استمرار هذه المعارض، من المتوقع أن تشهد السياحة المصرية طفرة كبيرة، حيث يتزايد اهتمام الشعوب المختلفة بزيارة أرض الفراعنة. وبينما يتأمل الزوار اليابانيون كنوز رمسيس الثاني في طوكيو، تبقى مصر الكنز الحقيقي الذي ينتظر من يكتشفه.