همسات

قصيدة: داء الروح

قصيدة: داء الروح

في زوايا القلب يسكن داءٌ،
كظل غائب، وكف سرابٍ يتلاشى،
أغفُرُ للنجوم غيم القهر،
وأرى في الليل ما قد سُرِّجَ بالشَّعَاشِعَةِ.

من آهات الأنين تولد الأغاني،
تتراقص الأشباح في حفلة الأوهام،
أرى عيوناً تراقبني بالأسى،
تحكي حكاياتٍ من أوجاع الأيام.

أحمل نفسي فوق سحاب الحزن،
أرنو إلى الأمل، لكن يبتعد،
كأني طائرٌ في قفص الأعداء،
تجري الرياح بما لا يشتهي الفؤاد.

في كل زاوية من دمعي غابةٌ،
تنبعث الروائح من عبق الذكرى،
أستمع لنداء الغيم الراحل،
وكيف تحتضن الأرض موت الزهرى.

لم أجد سبيلاً لشفاء روحي،
إلا في أحضان كلماتٍ غائبة،
فالقصائد كالأدوية في صيدليتي،
تخفف الوجع، لكنها لا تعيدُ الكائنة.

فيا ليلةً، ما أظلمتِ قلبي،
تُسَطِّرينَ الآلام في سجل النسيان،
أغفو على حواف الزمان،
أسأل الفجر: هل في الوصل أمان؟

فلا تُخبريهم عن جرح الروح،
فالأسرار تبيت في عتمة الجفن،
عند الصباح، أسطر حنيناً،

جسدي سليم، لكن روحي مريضة،
مثل وردةٍ تفارقها نسائم الفجر،
أجوب الطرقات بخطواتٍ متثاقلة،
في صدري أصداءٌ من أصوات الممر.

هل تقبل العزاء في وجدان شقيقه؟
أم أن حزني هو جسر إلى الجحيم؟
أُخاطب المرآة، فتُجيبُني بصمتٍ،
هل لي في الإفلات من سجن الحُلوم؟

تستغيث الروح بدمعٍ غير مرئي،
وتنادي الزمان أن يوقف الساعات،
كم من صفعةٍ تلقاها القلب،
بين أشواك الفراق والذكريات.

يا أيها الليل، كن لي حليفاً،
أغفو في حضنك، واخفض الأضواء،
فالحزن يُثقل كاهلي كجبلٍ،
وأنا العابر تحت هذا الجحيم البهاء.

أسير وحدي في زوايا الوجود،
واكتب الشعر بدمٍ يسيل من الألم،
تصبح الكلمات سفسطةً من أوجاع،
تُرشّ فوق روحي كعطرٍ مختلَطٍ.

فيا رفاق الدرب، دوِّنوا قصتي،
اجعلوا الحزن لوحةً في الأذهان،
فمن وجد السعادة في قلب العذاب،
يستطيع أن يُحاكي السماء برمادِ الجنان.

فلن يُهزمني هذا الداء المكنون،
حتى وإن سكنتني الأشباح والأوهام،
سأظل أبحث في أدراج الألم،
عن نورٍ يُشعل لي ليالِي الأنتظام.
وأخفي دمي بفخامة الحرف المُحنَّف.

رغم الزواج وإنجاب الأفراح،
ورغم الصحبة والصداقات القريبة،
تبقى الروح ترتجف في عتمة القلب،
كأنها نجمةٌ في سماءٍ غريبة.

لا يُشفي الروح غير نور الله،
يضيء دربي ويغسل الهموم،
كهديةٍ من السماء، تُحيا به نفسي،
تبعث البهجة، وتهمس بالأحلام.

شفاءٌ يأتي من طاقة إيمانية،
تنشر السعادة فتُزهِرُ الوجع،
عندما تُطفئ قناديل الضياع،
وتحملني نحو فضاءٍ من الأمل المتألق.

فلكل زهرة علاقةٍ راقية،
حكايةٌ تحملها رياح الرضا،
أغرق في جمال العطاء والتسليم،
وأرسم على قلبي بسمات الاستغفار.

ومهما تساقطت الأحقاد والأشواك،
ستظل روحي باحثةً عن السلام،
فالله كتب الفرج لمن صبر،
وسألته في صلاتي أن يُعيد لي الإلهام.

أيها الليل، أعد لي إيماني،
فأنا السابح في بحور الشجن،
أحتاج أضواءك، وأحتاج صلاتك،
كي تُعانقني الأقدار بكل حُسنٍ وحنن.

فحتى مع قسوة الأيام وسر الحياة،
تبقى الروح سيدة نفسها الحزينة،
والنور المرسل من رب العباد،
سيظل حبل الوصل، في كل حينٍ وفينة.

هل ترى القرابة ودٌ يُعانق القلب؟
أم تسمع عن عوائدٍ في النسب؟
لا ترحم روحًا إذا مرضت،
فتبقى الأواصر خيوطًا من العجب.

تتفاوت القرابة في زهر الود،
وتبقى الدرجات تحت رحمات المكان،
فبين أشخاصٍ يتشاركون الجينات،
تنسجم الأرواح في أحضان الحسبان.

لا يزيد النسب من عواطف الروح،
إذا خَفَّ الوفاء أو ضاع الأمل،
فالودُّ أساسٌ يبني العلاقات،
والقلب وحده يُعلِي من القدر.

كم من قريبٍ يحمل الاسم واللقب،
لكن روح الوقوف ليست بمعنى المودة،
يدُ بارٍ تُزهر في أيام البلاء،
وأخرى غافلة، تهجر في العباد.

إذا مرضت روح تحت ظلال الفراق،
تبقى الأيادي البعيدة في صمت،
فلا تعني الدرجات قرب الله،
إذا افتقدنا الصداقة في كل سطوعٍ وغم.

فليكن الود هو الجسر الذي يصلنا،
فليكن الرحم من صبرٍ وإيمان،
فالعلاقات تقوى بالحب والاحترام،
وتزدهر في قلوبٍ تُباركها الأزمان.

أحتاج لمودةٍ تُمارس بحب،
تُشفي الجراح وتضيء لي النهار،
فقرابة الروح ليست في النسب،
بل في القلوب التي تُلبي النداء.

الدار راحت من جوانبها،
والروح ماتت من جوانبها،
فلا صلة بين ميت الجسد،
ولا عجب أن تموت بالأحياء روحٌ من مناكبها.

من أوزانها، ومن أحزانٍ،
تسكن القلب، وتغتال الفرح،
كيف تعيش بين ذكريات،
تُوقظ أسىً وتُبقي الأمل على جرح.

تائهةٌ الأرواح في زحام الأيام،
تبحث عن سببٍ تُحيي به الشغف،
لكنها ترسو عند ضفاف الألم،
كالفراشة تلامس الشمع في اشتياف.

فأي ليلٍ هذا الذي يغمرني،
وأي صبحٍ ينتظر خلف الضباب؟
قد تكون الصلة خيطًا رفيعًا،
والروح تنزف أسى تحت الأهداب.

فلتكن في ضوء الحب زهورٌ تنبت،
تسقي الجراح بماء التواصل،
فليس كل ما يبدو قريبًا باردًا،
ولا كل ما يبعد عنا يُعطي المحصول.

أحتاج لمسةً تشفي كسوري،
فقد رحلت الأنسام عن سريري،
لم تبق سوى ذكرى تؤرقني،
وتُحيل لي الأنس إلى حيرةٍ وكآبة.

فالكل يبحث عن الضياء،
في دروبٍ ضيّقَت مأوى الأمل،
والروح تموت إن فقدت المعاني،
ولا حزن أسوأ من كان في القلب يعتزل.

فليكن الودُّ دربًا لنا نسلكه،
والمحبة نورًا لا ينطفئ،
فهل تعود الأوطان بعد الفراق؟
أم نفتش عن دفءٍ يُحيي العجب فينا ويعطر؟

الدين دين الله والروح من الله،
فلما الطايع ينسي من العاصي روحًا من مشاربها؟
لا يرفق العمل وينسي العالم،
أن المساواة ليست للبشر، بل عند خالقها.

في أعلى الأهرام وفي أدنى الدروب،
تظل روح اليسار وروح اليمين،
هي التي تقرب بين النفس والخالق،
ومعها تنعم الأرواح ومعهن يعتني.

فأين المساواة على الأراضي والأمجاد؟
في قدرة الله تتراقص الأقدار،
في قدرة الله يُحدد عصور العادات،
فليس في البشر سائر في ظلال الأزل.

فليس للناس في الفضاء وجود،
في أيامٍ تُحيطها القبور والأرض،
في أيامٍ لا يُمنح فيها العمر جاذبية،
ولكن في القلب يُرفع العقل من دقه.

في أيامٍ لا يحترم فيها المساواة،
تتضاعف الأقدار وتتنازع الشؤون،
في أيامٍ حيث يُصادف العدم والأمل،
فلا شيء إلا الهوامش والأطراف.

فليس بين الأشخاص سوى القرابةُ في اللقاءات،
فهم في دروبٍ يأملون أن يلتقيوا،
في حياةٍ مُمتدة بين فراق الحباء،
وحياةٍ مُختلفة بين فراق الحبيب.

لا زالت الأقدار طوعةً في أحضان القدر،
تأخذ أسبابها من ظلال الأحشاء،
فليس للبشر سوى ما يُتيحه الحظ،
في لحظاتٍ تبتسم فيها الحياة وتخفي.

فليكن خالق الجلالة هو الذي يساوي،
في حكمةٍ لا تدركها الإنسانية،
في حكمةٍ لا تتمكن منها العقول البشرية،
وأين الشبه في الكون الذي يُحييه؟

مع تحياتي للجميع
ايهاب محمد زايد
القاهره -دارالسلام
٤-١-٢٠٢٥
الثانية عشر و واحد وخمسين دقيقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى