سر النجاح الريادي قد يكون مختبئًا في موجات دماغك

سر النجاح الريادي قد يكون مختبئًا في موجات دماغك
مصر:إيهاب محمد زايد
رغم برامج التدريب والمبادرات العديدة، لا تزال معدلات الرغبة في الريادة مؤشر على استعداد الناس لبدء مشاريع جديدة ثابتة دون زيادة تُذكر. لكن ماذا لو كان مفتاح النجاح الريادي لا يكمن في الكتب أو الدروس، بل داخل دماغنا نفسه؟
تخيّل نهجًا لا يكتفي بتعليم آليات ريادة الأعمال، بل يعمل على تعزيز المهارات العقلية الأساسية التي تميز الرياديين الناجحين: التركيز، الإبداع، المرونة المعرفية، ضبط الانفعالات، واتخاذ القرارات تحت حالة عدم اليقين.
هذا ما يطرحه كتابي الأخير Entrepreneurship and Neuroscience: Researching Brain-Driven Entrepreneurship، الذي يقترح عصرًا جديدًا في تعليم الريادة: الريادة المعتمدة على الدماغ. الفكرة بسيطة، لكنها عميقة: بدل أن نركّز على وصف خطوات العمل الريادي، نعيد تشكيل الدماغ نفسه ليصبح أكثر استعدادًا للنجاح.
باستخدام تقنيات متقدمة مثل تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG) وبرامج تدريب معرفية منظمة، يمكننا مراقبة حالات الانتباه، والذاكرة العاملة، والحمل المعرفي، وضبط الانفعالات – كل ذلك في الوقت الفعلي. فبينما الأساليب التقليدية مثل المقابلات والاستبيانات تلتقط السلوك السطحي، يقدم EEG نافذة مباشرة على نشاط الدماغ ذاته.
دراسة أجريت في جامعة كوبه أظهرت أن الدماغ يستجيب بدقة للمؤثرات العاطفية عند اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر. حتى لو لم تظهر تغييرات واضحة في السلوك، كشفت أنماط النشاط العصبي أن الأشخاص ذوي النية الريادية العالية يتعاملون مع المعلومات العاطفية بطريقة مميزة، خصوصًا في مناطق الانتباه وصنع المعنى، ما يمنحهم قدرة على اتخاذ قرارات أفضل تحت عدم اليقين.
هذا التأثير يظهر بوضوح في القشرة الأمامية والصدغية، حيث يبدو أن أدمغة الرياديين مهيأة للتعامل مع الضغوط العاطفية بمرونة وكفاءة أكبر.
وهنا تكمن قوة النهج العصبي: القدرة على تطوير الانتباه المستمر، وضبط الانفعالات، والمرونة المعرفية، وهي القدرات التي تجعل الريادي قادرًا على التكيف مع المتغيرات واتخاذ قرارات سريعة وفاعلة.
التدريب المعرفي المبني على الدماغ يفتح آفاقًا جديدة. في مدرسة Xi’an Jiaotong-Liverpool الصيفية لريادة التكنولوجيا، خاض الطلاب تمارين لتعزيز الانتباه والتركيز من خلال متابعة مؤثرات بصرية متحركة، وبناء نماذج أولية بسيطة للروبوتات، والتفكير بصوت عالٍ في عملياتهم الذهنية.
حتى الموسيقى بدأت تلعب دورًا في هذه الرحلة؛ فقد أظهرت أبحاث في علوم الموسيقى العصبية أن أنماطًا وترددات معينة يمكن أن تعزز الانتباه والمزاج والأداء المعرفي. أحد الأمثلة هو موسيقى الأداء المعرفي، التي صُممت لزيادة التركيز وتحفيز الدافعية وتعزيز أبعاد التفكير الريادي، مثل ألبوم Take the Leap، الذي استخدم خوارزمية عصبية خاصة تم تطويرها لمواكبة التعلم المعتمد على الدماغ.
بالإضافة إلى ذلك، تقدم طرق منظمة مثل WNYLE Method إطارًا تدريبيًا متكاملًا يعزز القدرات المعرفية والعاطفية التي تدعم الفعل الريادي، معتمدًا على الدماغ، والسرد القصصي، والموسيقى، وتمارين التأمل الذهني الموجّهة، لتوفير تجربة تعليمية تحاكي كيفية معالجة الدماغ للانتباه والعاطفة والتفكير العميق.
مع انتقال علوم الأعصاب من المختبر إلى قاعة الدراسة، يظهر أفق جديد حيث يصبح تحسين الأداء المعرفي جزءًا أساسيًا من الاستعداد للريادة. فالتعلم لا يغير فقط ما نعرفه، بل يعيد تشكيل بنية الدماغ ووظائفه، ويمنحنا المرونة الذهنية اللازمة للنجاح في عالم غير متوقع.
والجزء الأكثر إثارة؟ هذه البداية فقط، وما زال الطريق طويلًا لاكتشاف كل الإمكانات الكامنة في موجات دماغنا، التي قد تحمل سر النجاح الريادي الحقيقي



