حقهن في الأمان أولًا

بقلم
شيماء إبراهيم
تشكل السلامة الجسدية والبنية التحتية الآمنة حجر الزاوية في تمكين النساء وتعزيز قدرتهن على المشاركة الفاعلة في الحياة الاقتصادية والسياسية. فبدون الشعور بالأمان، تصبح أبسط الحقوق – مثل التنقل أو الوصول إلى أماكن العمل والدراسة – تحديات يومية تعيق النساء عن ممارسة أدوارهن الطبيعية، وتكرّس الفجوات بين الجنسين.
الحادث الأليم في المنوفية بالأمس، الذي راح ضحيته عدد من الفتيات القاصرات أثناء عودتهن من العمل، ليس مجرد مأساة عابرة؛ بل هو جرس إنذار يفضح قصور السياسات وضعف الرقابة على تشغيل القاصرات وظروف عملهن غير الآمنة. يتجاوز الخطر هنا الطرق المظلمة ووسائل النقل المتهالكة، ليصل إلى غياب حماية حقيقية للفتيات من الاستغلال والخطر.
إن حق المرأة – والطفلة تحديدًا – في التنقل بأمان والعمل في بيئة لائقة لا ينفصل عن حقها في الحياة نفسه. الطرق غير المؤهلة، وسائل النقل العامة غير المنظمة، وغياب الرقابة الفعالة على أماكن العمل، كلها عوامل تُنتج دائرة عنف وصمت ضد النساء والفتيات، تؤدي إلى انسحاب تدريجي للكثير منهن من سوق العمل أو التعليم، إما خوفًا أو استجابة لضغوط أسرية تفضّل السلامة على الطموح.
تتضح خطورة هذا البعد في ضوء المرجعيات الوطنية والدولية، ومنها قرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، الذي أكد أن المشاركة الحقيقية للنساء لا تتحقق دون حماية فعّالة من جميع أشكال العنف. وينسجم ذلك مع الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، التي شددت على ضرورة تهيئة بيئة عمل وتعليم آمنة كشرط لتحقيق العدالة بين الجنسين.
غياب بيئة آمنة لا يضر النساء وحدهن، بل يمتد أثره السلبي إلى المجتمع كله؛ إذ يقلل من معدلات الإنتاجية، ويضعف مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويُعزز ثقافة الإقصاء وإعادة إنتاجها عبر الأجيال. بل يمكن القول إن استمرار تشغيل القاصرات دون رقابة وفقدانهن على الطرقات لا يعبر فقط عن فجوة قانونية، بل عن أزمة ضمير مجتمعي أيضًا.
الحق في الحياة والسلامة الجسدية ليس مجرد مطلب حقوقي، بل هو شرط أساسي للتنمية الشاملة. لا يمكن بناء مجتمع متوازن بينما تشعر النساء والفتيات بالخوف على الطرق أو في أماكن العمل. لذا يصبح تطوير البنية التحتية، وتفعيل الرقابة الصارمة على أصحاب الأعمال، وتشديد العقوبات على تشغيل القاصرات، ضرورة عاجلة وليست رفاهية.
التحدي الأكبر يكمن في الانتقال من الكلام إلى الفعل؛ أن تصبح حماية النساء والفتيات أولوية واضحة في سياسات النقل، والتخطيط العمراني، والتشريعات العمالية. بناء بيئة آمنة يمنح النساء والفتيات فرصة عادلة للمشاركة، ويعكس التزامًا حقيقيًا بقيم العدالة وحقوق الإنسان. فالمشاركة تبدأ أولًا من الحق في الحياة، ولا معنى لتمكين حقيقي إذا لم تُحمى الأرواح قبل الأحلام.