مقالات

القصة وراء عيد العمال بقلم الدكتورة نهلة السعدي 

يحتفل العالم في الأول من مايو من كل عام بيوم العمال العالمي ويسمى أيضاً بيوم العمل وعيد الربيع والعمل واليوم العالمي للتضامن مع الطبقة العاملة وهو يوم عطلة في كثير من البلدان.

ولكن ما المناسبة التي جعلت من هذا اليوم عيداً يحتفل به العالم سنويا؟

كان بداية عيد العمال من القرن التاسع عشر في أستراليا (٢١ أبريل ١٨٥٦).

قبل ذلك التاريخ ومع بداية الثورة الصناعية في بريطانيا حوّل الإنتاج الصناعي في المصانع الكبيرة حياة الشغيلة إلى جحيم وكان يوم العمل يتراوح بين ١٠ – ١٦ ساعة وأسبوع العمل يصل إلى ٦ أيام في الأسبوع وكان إستخدام الأطفال شائعاً دون أي إعتبارات للأمن الصناعي أو الصحي أو إنتشار الآفات والأوبئة بين العمال خاصة الأطفال منهم أدى ذلك إلى ظهور حركة ٨ ساعات يومياً إحدى الحركات الإجتماعية التي تهدف لتنظيم يوم العمل ومنع التجاوزات والإنتهاكات. 

 

كان أول من طالب بذلك أحد مؤسسي “الإشتراكية الطوباوية” روبرت أوين (١٧٧١ – ١٨٥٨) حيث صاغ شعار ٨ ساعات عمل ٨ ساعات راحة ٨ ساعات ترفيه ومُنحت النساء والأطفال في إنجلترا ميزة ١٠ ساعات يومياً عام ١٨٤٧ أما في فرنسا فقد حصل العمال الفرنسيون على ١٢ ساعة يومياً بعد ثورة فبراير عام ١٨٤٨.

 

تناولت رابطة العمال الدولية مطالب العمال بتحديد يوم العمل بـ ٨ ساعات في عام ١٨٦٦ مُعلنة أن “الحد القانوني ليوم العمل هو شرط أولي وبدون توفيره ستفشل جميع المحاولات لتحسين ظروف الطبقة العاملة وتحريرها”.

كذلك رأى كارل مارك في كتابه “رأس المال” أن ذلك ذو أهمية حيوية لصحة العمال فكتب عام ١٨٦ “إن الإنتاج الرأسمالي يتسبب من خلال تمديد يوم العمل لا في تدهور قوة العمل البشري عن طريق سلبه الظروف المعنوية والمادية الطبيعية للنمو والنشاط فحسب وإنما يتسبب أيضاً في أستنفاد وموت هذه القوة العاملة نفسها”

في عام ١٨٨٤ قرر إتحاد النقابات المنظمة والنقابات العمالية في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية في إتفاقيته أن “٨ ساعات عمل تُشكل يوم عمل قانوني إعتباراً من ١ مايو ١٨٨٦ وصاعداً مع توصية كافة المنظمات العمالية بجميع أنحاء الولاية القضائية بتوجيه القوانين التي تتوافق مع هذا القرار”

وفي ١ مايو عام ١٨٨٦ رفضت قيادة “فرسان العمل” بقيادة تيرينس فى باودرلي النداء للإنضمام لحركة الإضراب لكن العديد من القيادات وجمعيات “فرسان العمل” المحلية إنضمت إلى نداء الإضراب في شيكاغو وسينسيناتي وميلووكي وقاد ألبرت بارسونز(١٨٤٨ – ١٨٨٧) رئيس “فرسان العمل” في شيكاغو وزوجته لوسي بارسونز وطفلاهما مظاهرة من ٨٠ ألف شخص في شارع ميشيغان بشيكاغو وفي الأيام القليلة التالية أنضم إليهم في جميع أنحاء البلاد ما بين ٣٥٠ – ٤٠٠ ألف عامل مطالبين بتحديد ساعات العمل والحصول على كافة مستحقاتهم تحت شعار “٨ ساعات عمل ٨ ساعات راحة ٨ ساعات ترفيه”

 

في ٣ مايو عام ١٨٨٦ تّحدث مُحرر صحيفة العمال أوغست سبايز (١٨٥٥ – ١٨٨٧) في أحد الإجتماعات إلى ٦ آلاف عامل إنتقل كثير منهم بعدها إلى الشارع لمهاجمة بعض المندسين ممن حاولوا كسر الإضراب وصلت الشرطة وأطلقت النار فقتلت ٤ أشخاص وأصابت كثيرين آخرين في مسيرة لاحقة ٤ مايو إحتجاجاً على هذا العنف إنفجرت قنبلة (ألقاها مجهولون) في ساحة هايماركت أسفرت عن مقتل ٨ من رجال الشرطة وإصابة ٧٧ آخرين فهاجمت الشرطة على الفور الحشد وقتلت عدداً من الأشخاص وأصيب أكثر من ٢٠٠ بجروح بالغ وألقي القبض على عدة أشخاص بدعوى أنهم تسببوا في أحداث العنف وحكم على ٥ منهم

 بينهم سبايز وبارسونز بالإعدام ثم أتضح فيما بعد براءتهم

وفي الإجتماع الذي عقده الإتحاد الأمريكي للعمل في سانت لويس ديسمبر عام ١٨٨٨ قرر الإتحاد إعتبار ١ مايو عام ١٨٩٠ اليوم الذي لا يجب أن يعمل فيه العمال الأمريكيون أكثر من ٨ ساعا بعد ذلك أقرت جمعية العمال الدولية “الدولية الثانية” التي أجتمعت في باريس عام ١٨٨٩ إعلان الأول من مايو يوماً لإطلاق المظاهرات ومن هنا بدأ تقليد عيد العمال

على الرغم من ذلك لم يتوقف نضال الحركة العمالية في الولايات المتحدة الأمريكية وبلغ ذروته عام ١٨٩٤ حينما قتل الجيش الأمريكي عدداً من العمال المتظاهرين وهو ما شكل ضغطاً كبيراً على الرئيس الأمريكي غروفر كليفلاند ودفعه إلى التصالح مع حزب العمال بتشريع عيد العمال وإعلانه عطلة رسمية في البلاد تخليداً لذكرى أوغست سبايز ورفاقه

 

مثل هذا اليوم في الظروف العادية قبل جائحة كورونا يشهد مسيرات ومهرجانات شعبية في مختلف المدن الروسية تحمل شعارات تُشيد بدور العمال وتُطالب بحقوقهم وبالعدالة في أجورهم وتُنظم هذه الفعاليات المليونية عادة الهيئات النقابية وتنخرط في تلك الفعاليات أيضاً الأحزاب السياسية الرئيسية تأكيداً على إهتمامها بأوضاع العمال وحقوقهم

 

ويعتبر عيد العمال من الأعياد الأكثر إنتشاراً في العالم حيث يتم الإحتفال به في ١٣٠ دولة تقريباً ويعتبر في معظم دول العالم عطلة رسمية

يُذكر أن التسمية الرسمية لهذا العيد في روسيا تختلف عما كانت عليه أيام الإتحاد السوفيتي حيث تغيرت عام ١٩٩٢ لِتُصبح “عيد العمل والربيع” وكانت في السابق “اليوم العالمي للتضامن مع الطبقة العاملة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى