رقمنة الحمض النووي
بقلم
الدكتورة نهلة السعدي
شهدت العقود الماضية تحولات كبيرة في طريقة تخزين البيانات حيث تم الإنتقال من النُسخ الورقية التقليدية إلى النُسخ الرقمية التي لا تعمل على تحسين كفاءة إدارة البيانات فحسب بل تُعزز أيضاً الوصول إليها بصورة أسرع وبشكل آمن لقد تَطور تنسيق تخزين البيانات الرقمية من البطاقات المُثقبة أو الأقراص المرنة ذات سعة التخزين المحدودة إلى الإصدار الحالي من مُحركات الأقراص الصلبة الخارجية التي تصل سعتها إلى بضعة تيرابايت من إمكانات التخزين.
وينعكس هذا التقدم العلمي بشكل مباشر على الطريقة والكيفية التي تُدار بها البيانات في العالم الرقمي ويمكن إعتبار الإبتكارات الحديثة حول جدوى تخزين البيانات في الحمض النووي الإصطناعي بمنزله وتقنية متطورة سّتتغير بشكل كبير الطريقة التي يُدار بها تخزين البيانات لدينا حتى الآن.
إن نظام التخزين هذا يُعد أكثر كفاءة من الشريط المغناطيسي المُستخدم في القرص الصلب بسبب كثافة بيانات الحمض النووي حيث يمكن لجرام واحد من الحمض من الناحية النظرية تخزين ما يقرب من ٢١٥ مليون جيجا بايت وتبقى صالحة للقراءة حتى في ظروف تخزين غير مثالية كما ذكرت بعض الدراسات الحديثة.
لكن مع هذا توجد تحديات ولا تزال تحت البحث العلمي وهي أن عملية التخزين بطيئة وتتطلب معرفة تسلسل الحمض النووي قبل إسترجاع البيانات منه ولذلك فإن هذه الطريقة يمكن إستخدامها في المهام التي تتطلب وصولاً قليلاً للبيانات مثل الأرشفة طويلة الأمد لكميات كبيرة من البيانات وما زالت الأبحاث العلمية تتوالى في هذا السياق.
في العام الماضي تم تقديم مفهوم الحمض النووي للأشياء DNA of Things، أو DoT الذي يستند إلى تشفير البيانات الرقمية في جزيئات الحمض النووي ويتم تضمينها بعد ذلك في الأشياء بما يُنتج كائنات تحمل مخططها الخاص Blueprint على غّرار الكائنات الحية على عكس إنترنت الأشياء Internet of Things أو IoT وهو نظام من أجهزة الحوسبة المترابطة يقوم الحمض النووي للأشياء بإنشاء كائنات عبارة عن نقاط تخزين مُستقلة خارج الشبكة تماماً.
لقد قام الباحثون بطباعة ثُلاثية الأبعاد لأرنب أو ما يُعرف بتجربة أرنب سّتانفورد يحتوي على مخططه في الخيوط البلاستيكية المستخدمة في الطباعة.
ومن خلال قص جزء صغير من أذن الأرنب تمت قراءة المخطط ومضاعفته وإنتاج جيل جديد من الأرانب إِذن نحن أمام تطور مذهل في الحمض النووي لكن يوجد كثير من التساؤلات والإستفهامات:
هل سنكون قادرين على حمل تيرا بايت من المعلومات داخل خلايا قليلة في أجسامنا؟
هل سّنضطر إلى تغيير طريقة الإمتحانات في المدارس كي تكون إختباراً مفتوحا
open book and files؟
ألن يستغني أطفال المدارس في المستقبل عن حّمل حقائب مدرسية ثقيلة؟
وهل سنتمكن من الإستماع إلى ملفات صوتية مُخزنة في خلايانا عن طريق توصيل مستشعر صغير بأطراف أصابعنا؟ هل سيؤدي هذا إلى تغيير جذري في الشكل الذي سننشر به ونؤرشف فيه المؤلفات العلمية والصحف اليومية في المستقبل؟
هل يُعني أننا أمام أرشفه كل الإجتماعات إلى داخل الحمض النووي حيث نستطيع الوصول إليها في أي لحظة؟
أسئلة كثيرة جداً لكن أهمها أخلاقي بحت وهو هل نحن بعد أن تقدمنا في مجال علو البشرية والأنسنه نسير ببطء نحو الهندسة العكسية من الإنسان إلى الروبوت؟
هل سنكون نحن البشر حزمة أو جزءاً من مُوزع شّبكي Network Hub في المستقبل؟
يبدو كأنه فيلم خيال علمي Sci-Fi
وسأترك مزيداً من الخيال لكم أيُها القارئين الكرام.