تسليم الوطن للمحتل باسم الثورة
كتب: الشيخ أحمد تركى
قدر الله أن يعيش جيلنا عصر حروبٍ تُسمى ” الجيل الرابع ” حروب الفوضى الخلاقة ، حروب يُستخدم فيها الدين والثقافة و تستخدم فيها ما وصل اليه العلم الإنساني فى إعادة هندسة الأفكار وهيكلة العقول لتتناسب مع أيدولوجية العدو واهدافه ضد الأوطان والأمة ،،،،،
حروبٌ تعتمد فى تفكيك الوطن على الفكر والشعارات والأشاعات ،،،
الجنود في هذه الحروب ليس هم الجنود النظاميين لجيوش العدو ، انما ينضم اليهم الخونة الذين يبيعون أنفسهم ودينهم وأوطانهم بقليل من المال أو الرفاهية ….
أو شباب مغفل لا يعرف الفرق بين عدوه وأخيه ، فينجرف لأى شعار برّاق أو فكرة تروق له دون تدبر وتمحيص .
فتحت شعار التخلص من الأنظمة الحاكمة !! استطاع اعداؤنا تجنيد الآلاف من شباب الأمة العربية بإعادة هندسة أدمغتهم فكرياً وتصورياً وساعد على ذلك بالطبع حالة الجهل الذى تفشت بين الشباب منذ فترة كبيرة على كل المستويات السياسية والثقافية والدينية ،،، الخ
والجماعات الدينية كانو جنوداً اوفياء لهذا التوجه مستخدمين فكرهم المغلوط وتصورهم المريض عن الدين والوطن كمدخل رئيسى لخلع الشباب من ولائهم لربهم وولائهم لاوطانهم الى طريق التطرّف والارهاب ،،
وكنا نسمع فى الميادين فيما عُرف بالربيع العربى الشباب وهم يهتفون بأعلى صوتهم ” الشعب يريد إسقاط النظام ” !!
والحقيقة أن كثيراً من هؤلاء الشباب ما كان يدرى خيوط العدو التى تحيطهم من كل جانب ( وهم تحت سيطرته تماما” فكرياً ونفسياً ” و يريد إسقاط الدول بهم وليس إسقاط الأنظمة فقط !!
إن التهديد الذى يحصل فى البلاد العربية ليس تهديداً للأنظمة فقط !! بل هو تهديد للأوطان كلها !!
سقطت العراق وسقطت سوريا وسقطت اليمن وسقطت ليبيا ،،،،
وكثير من هؤلاء الشباب بات رمزاً وأيقونة مصنوعة لهذا الهدف وليس لشيء آخر يخربون أوطانهم بأيديهم وأيادي الخونة ومن خلفهم الاستخراب العالمى ،،،
فجميعنا تابع مأساة سوريا الحبيبة فى الأيام الماضية وبينما يحتفل الثوار ويهللون دخلت إسرائيل المنطقة العازلة واحتلتها كما احتلت أجزاء من القنيطرة تزامناً مع تدميرها لآلاف الدبابات وسلاح الطيران وسلاح البحرية والقضاء تماماً على ما تبقى من جيش سوريا الذى شارك الجيش المصرى فى حرب أكتوبر 1973م
ناهيك عن التدخل التركى والروسي والأمريكى وتواجدهم على بقاع من الأراضى السورية ،،،وبات النفوذ الإسرائلى على كامل سوريا واضحاً للجميع ؟!
هذه الجماعات لم تواجه إسرائيل فى لبنان أو غزة ولم تثأر لدماء مئات الآلاف من الفلسطينين واللبنانيين ،، بل ارتكبت مجازر فى حق عناصر محسوبين على النظام السابق لدرجة اقتحام المستشفيات وتصفية الجرحى فيها رداً على تجاوزات النظام السورى السابق ! ولم تتحرك جمعيات حقوق الإنسان احتجاجاً لتلك التجاوزات ؟ ولم ينطق الضمير العالمى بكلمة واحدة ؟ ،،، ودفع الشعب السورى فاتورة مجازر الجلادين السابقين واللاحقين فى تصفية حساباتهم مع بعض وفوجيء أنه أصبح تحت رحمة المحتل ؟!
هذا السيناريو حدث قبل ذلك فى اليمن الذى أصبح يعيش فى القرون الوسط ،،، وجميعنا يذكر الصحفية توكل كرمان ودورها القذر فى هذا الإتجاه و مُنحت جائزة نوبل لدورها فى إسقاط بلدها !! وتحويله الى تجمع همجى يمتليء ببحور الدم والنار ،،،
و مهما كانت فجوة الاختلاف بين الشخص وبين بلده أو حتى نظام بلده !! هل يوجد دافع وطنى أو دينى يبرر ويشرع له التحالف مع شياطين وكلاب سكك الارض كلها لإحراق وطنه ؟
وهل أصبحت الثورات تمكيناً للمحتل من الوطن كبديل لتمكين الوطنيين بهدف بناء الوطن ؟
هل سلمت الثورة الفرنسية فرنسا لروسيا أو أى دولة أخرى ؟ أو سمحت بنفوذ أجنبى على أرضها ؟
وهل قامت الثورات الحقيقية الناضجة عبر التاريخ بخيانة وطنها وخدمة أعدائها ؟
ومن الذى صدر لنا هذا النموذج القبيح من الثورات على يد الخوارج الذين يرتكبون المجازر فى شعوبهم باسم الإسلام والوطنية ؟
وللإجابة على هذا السؤال ينبغى تذكر ما قاله البروفيسور الأمريكي “ماكس مايوراينگ” في معهد الأمن القومي الإسرائيلي فى ثمانينيات القرن الماضى حيث عرف حروب الجيل الرابع Fourth-Generation Warfare)
الحرب الغير متماثلة ،، ويُرمز لها 4GW
بنقاط مختصرة كالأتي على حد تعبيره :
الحرب بالإكراه ، إفشال الدولة ، زعزعة استقرار الدولة ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية!
ويمكن تلخيص عناصر حروب الجيل الرابع التى وُجهت ضد بلادنا فى الآتى :
1-الإرهاب .
2-محاولة ايجاد قاعدة إرهابية غير وطنية أو متعددة الجنسيات كما حدث فى العراق وسوريا على يد داعش والتنظيمات المسلحة الممولة ،،
3-التشكيك فى الدين والثوابت الثقافية والهوية الوطنية والتاريخ ،،،
4-حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والسوشيال ميديا والتلاعب النفسي والعقلى بالشباب .
5-استخدام كل الضغوط المتاحة – السياسية والأقتصادية والاجتماعية والعسكرية على الدول المستهدفة.
6-استخدام تكتيكات حروب العصابات
وإذا نظرنا فى دينينا الحنيف وتراثنا المنير سنجد ما يحذرنا من هذه الفخاخ الخبيثة المهددة لأوطاننا ،
فلله درّ ما قاله أبو فراس الحمدانى :
بلادي وإن جارت عليّ عزيـزةٌ وأهلي وإن ضنّـوا عليّ كرامُ.
وأتذكر بمناسبة هذا موقف سيدنا كعب بن مالك عندما أرسل اليه ملك الغساسنة يستميله ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضد الأمة.
ومعلوم ان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تخلفو عن معركة تبوك دون عذر وكانو على إيمان وتقوى.
وبما أن معركة تبوك كانت الأمة فيها مهددة فى بقائها لأن الروم قد جمعو أكثر من مائتي الف مقاتل يريدون الزحف على المدينة المنورة للقضاء على المسلمين تماماً !
وإذا تهددت الأوطان فى بقائها باتت المشاركة فى الدفاع عنها فرض عين وليست فرض كفاية !!
وطبيعة المشاركة فى تبوك تنحصر فى الخروج مع رسول الله لملاقاة العدو على مشارف الجزيرة العربية ، وأنزل الله تعالى آيات كثيرة من سورة التوبة عن موقف المسلمين وموقف المنافقين الذين خذلوا رسول الله ولم يدافعوا عن أمتهم ، وموقف هؤلاء الثلاثة الذين تخلفوا دون عذر.
فضرب الله عليهم عقاباً بأن يعتزلهم الناس !! وظلو كذلك خمسين ليلة حتى أنزل الله قوله تعالى
” وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة.
وفى وقت عزلتهم عن الناس تماماً تعرض كعب بن مالك وهو أحد هؤلاء الثلاثة لابتلاء من نوع خاص. يتمثل فىما نسميه فى عصرنا الحاضر ” التجنيد لصالح العدو ”
يقول كعب بن مالك : ”
[فبينما أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطي من نبط أهل الشام، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدل على كعب بن مالك. قال فطفق الناس يشيرون له إلي. حتى جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك غسان ( وهو أحد الولاة عند الروم فى ذلك الوقت ) . وكنت كاتباً. فقرأته فإذا فيه: أما بعد. فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. قال فقلت حين قرأتها: وهذه أيضاً من البلاد. فتياممت بها التنور فسجرتها بها]. وسجرتها يعنى أحرقتها .
إن موقف سيدنا كعب بن مالك ينبغى ان يدرس لأبنائنا فى المدارس فى إطار دروس الولاء والانتماء.
رغم أنه كان يعيش فترة عقاب !! الا أنه اشترى الله ورسوله والمؤمنين وأمته.
إننا فى حرب معقدة يا سادة !! ، نحتاج فيها الى الوحدة والوعى والعمل الجاد للاحتفاظ بما تبقى من أوطاننا فى هذه الأمة المكلومة !!
وتطبيقاً لهذا حرصت كل الحرص وقت أن كنت مسؤلاً عن تدريب أئمة المساجد فى مصر من عام 2015 وحتى 2018 على تدريس مادة الأمن القومى وتهديدات الدول والحروب الحديثة والجيل الرابع منها والحروب السيبرانية بهدف نقل أئمة المساجد هذه المعانى الى جمهور الناس فى خطب الجمعة ودروسهم الدينية.
وأتمنى أن تكون هناك استراتيجية للوعى الشامل يتم تطبيقها باحتراف من قبل كل المؤسسات المسؤلة عن التعليم والثقافة وتوجيه الرأى العام.
إن واجب الوقت اليوم هو وقف نزيف انزلاق الشباب الى رحلة الطعن فى الأوطان وتهديدها !!
وكما نرى ونسمع كيف يتم ابتزاز الدول بهذا النوع من أبناء الوطن.
وأقول لشباب الفوضى الخلاقة ؟!
رفاهية العدو ام الإخلاص للوطن ؟!
لا يوجد فى مثل هذه المواقف طريق ثالث !
اما أن تختار أمك وأختك وعرضك وبلدك وأمتك وتعيش بطلاً فى الدنيا وصالحاً باْذن الله فى الآخرة ؟
أو أن تعيش خائناً غادراً لعرضك ووطنك وأمتك ومستحق للعنة الله وَرَسُولِهِ والمؤمنين والتاريخ.
فلا يزال التاريخ يلعن مؤيد الدين بن العلقمى الذى ساعد التتار فى اجتياح العراق لمجرد خلافه مع خليفة المسلمين وقت ذاك ؟! ومات كمداً بخيانته من هول الدماء التى أريقت فى شوارع العراق ،،، وكذلك الإمام الطوسى الذى ساعد المحتل ضد بلاده وغيرهم وغيرهم،،،
حتماً كل من غدر بوطنه وأمته ملعون للأبد.
وحتماً كل من يتسبب فى اقتراب العدو شبراً من وطنه ملعون للأبد .