التصوف والصفاء والجمال
كتب : الشيخ أحمد تركى
الصفاء : هو الخلو من الكدر وصفاء القلب دليل على حسن أخلاق المرء ، وجمال الأقوال دليل على صدق الإحساس ! وجميل الصنع دليل على الوفاء والإخلاص ..
وهنيئاً لمن يمتلك قلبا لا يحمل إلا الخير لكل من حوله..
فالقلب الصافى لا جزاء له إلا الجنة ،،،
فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ : إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ . قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَسٌ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا . فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ : ( يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ ، قَالَ : فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ : مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ ؛ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ .
وصفاء القلب والمشاعر من الأحقاد والحسد والكراهية فى هذا الجو الملبد بالفتن والضغوط ، أعظم غنيمة يغتنمها الإنسان المعاصر !
ونحن فى هذه الأجواء المعقدة يجب علينا جميعاً ، الحفاظ على صفاء عقولنا وقلوبنا ومشاعرنا ،
لأن صافى القلب والروح هو الإنسان السعيد الوحيد على ظهر هذا الكوكب ، و لذته الحقيقية فى قلبه ووجدانه ، وهى لا ترتبط بمال ! أو جاه ! أو نفوذ ! أو متع زائلة !!
لقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يختلى كل ليلة بربه ساجداً وذاكراً ويقوم الليل حتى تتورم قدماه !
وتشفق عليه السيدة عائشة قائلة له : لقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! فيقول : أفلا أكون عبداً شكوراً؟
ولقد شعر بهذا الصفاء الإيمانى شاب من الأنصار فحثه النبى صلى الله عليه وسلم على الثبات .
“فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لشاب من الأنصار كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت مؤمنا بالله حقا قال انظر ما تقول فان لكل قول حقيقة قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني بعرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار يتهاوون فيها قال أبصرت فالزم ، عبد نور الله الإيمان في قلبه “
إن الصفاء حالةٌ من الحب والجمال عندما تتمكن من قلب الإنسان وعقله وروحه تنقله إلى مرتبة الصديقين والصالحين ، وتجعله حكيماً فى نظرته للحياة لا يرى سوى الحقائق ، كما تهبه السعادة وراحة البال ،،،
كما تجعله ينظر بعين قلبه قبل النظر بعين رأسه !
فعين القلب ترى الحقائق وعين الرأس ترى الموجودات ،،،
وهذا باختصار شديد معنى التصوف !
فالتصوف مجاهدة النفس للوصول إلى الله فى إطار الحب والجمال وشريعة الإسلام
يقول أبوالفتح البستى: ” تنازع الناس فى الصوفى واختلفوا ، حتى ظنه البعض مشتقاً من الصوف ، ولست أمنح هذا الاسم غير فتى صفا فصوفىَ حتى سُمى الصوفى ”
يقول الإمام الهجويرى ( القرن الرابع الهجرى ) فى كتابه كشف المحجوب :
لابد من التفرقة بين الصوفى والمتصوف والمشتبه !!
فالصوفى هو من وصل إلى الحقيقة أو وصل إلى درجة الإحسان ..
أما المتصوف فهو لايزال على طريق الاحسان بإخلاص وصدق ..
والمشتبه هو الفاسق الذى يتشبه بهما لنيل مال أو مكانة بين الناس !!
والمتشبهون كثيراً ما يلجأون إلى الدجل للوصول إلى ثقة الناس فيهم !
وهؤلاء يلوثون التصوف الجميل بالخرافة وتقديس الأشخاص إلى حد يتنافى مع التصوف الحقيقى ويتنافى أيضاً مع شريعة الاسلام !!
والجمال كما يقسمه مولانا الإمام الغزالي فى كتابه إحياء علوم الدين :
1- جمال الصورة الظاهرة المدركة بعين الرأس.
2- جمال الصورة الباطنة المدركة بعين القلب والبصيرة.
جمال الصورة المدركة بعين الرأس يدركه كل المخلوقات ، أما جمال الصورة الباطنة المدركة بالقلب لا يدركه إلا أصحاب القلوب .
وإذا أدركت جمالاً بالقلب فهو محبوب لديك بقلبك.
ومثل هذا : حب النبي ( صلي الله عليه وسلم ). فنحن جميعاً لم نره صورة وشكلاً. وإنما رأيناه خلقاً وحباً ورحمةً ، ورأينا آثاره الجميلة التي رفع الله ذكره بها إلى يوم القيامة.
& وكذلك حب الله تعالي. ” إن الله جميل يحب الجمال ”
فإذا كان الجميل محبوباً ، فالله تعالي هو الجميل المطلق الذي لا ند له ، الفرد الذي لا ضد له ، الصمد الذي لا منازع له ، الغني الذي لا حاجة له ، القادر الذي يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه . خالق الكون ، ذو الفضل والجلال والجمال والقدرة والكمال ، ناجاه رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) بقوله : ” لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك “.
وإذا نظرت إلى جمال الكون وهو من خلق الله. دلك هذا إلي جمال الله المطلق. الذي لا تدركه العين. بل يدرك بعضه قلوب العارفين.
ومن أدرك جمال الله بقلبه. أحب الله وأحبه الله ، قال تعالي ” يحبهم ويحبونه ”
ومن أعظم الجزاء الإلهى يوم القيامة للمؤمنين، النظر إلى وجه الله الكريم.
والنظر إلى وجه الله الكريم. يعني إدراك الجمال المطلق وفق ما سيقدره الله فى الآخرة .
قال تعالي : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) سورة القيامة.
إن أهل الله يجمعون بين كل تلك المعانى من الصفاء والجمال .