إن الحكم إلا لله
بقلم : عبدالفتاح موسى
كان هناك شاعراً من ابرز شعراء العرب في العصر العباسى كان يدعى أَبُو عَلِي اَلْحَسَنْ بْنْ هَانِئْ المعروف بِأَبِي نُوَاسْ من من أشهر شعراء عصر الدوله العباسية ولد في الأهواز ونشأ في البصرة.
ابو نواس كان عاشقاً للخمر و من شدة حبه لها أصبح من اشهر الملقبين بشعراء الخمر إلي أن لُِقب زعيم الشعر الخمري عند العرب حيث شاعت الخمرة في عصر أبي نواس، وكثر شاربوها.
لم يشتهر أبو نّواس وشعره بالمدح ولا بالهجاء ولا بغيرها من مقاصد الشعر المعروفة، بل تميّز بشعره الخمريّ، حتّى اقترن اسمه عبر تاريخ الشعر العربي بالخمرة وعالمها حتّى يومنا هذا، فكان شاعر الخمر ومؤسس مدرسة الخمر في الشعر العربي وزعيمها، فقد بلغت لديه الخمرة مرتبة عظيمة من التقديس والخصوصية، مما جعل الحكام و علماء الدين يتهموا ابو نواس بتحريض العامة على شرب الخمر و على سبيل المثال لا الحصر قال في أبياته
دع المساجد للــعباد تسكنها
وطف بنا حول خمار ليسقينا
ما قال ربك ويل للذين سكروا
ولكن قال ويل للمـصلينا
و أتى به في هذة المرة الخليفة العباسي ليحاكمه و حينما وجه له الاتهام اعترف ابو نواس بحبه الشديد للخمر و انه لم يرد ابداً ان يغوي أو يضل احداً وأن ذنبه الوحيد أنه لم يكن أبداً مثل باقي الشعراء فهو يقول ما بقلبه ولا ينافق احداً و هنا لم يحكم عليه الخليفة و أطلق صراحه ولكن تلك الأبيات الملعونه أثارت غضب الإمام الشافعيّ و كان له الحق في ذلك فما يقوم به من جهد لإصلاح المجتمع و الناس يفسده أبو نواس من ناحية أخري وظل الامام غاضب من ابي نواس حتى جاءت ساعة القدر ومات ابو نواس و حينما اخبروا الإمام الشافعيّ بموته رفض الامام ان يصلي عليه. وحدث مالا يتوقعه احد و اثناء الغسل يجد احدهم ورقة في ملابس أبو نواس وبها أبيات جديدة لتكن تلك الأبيات الخاصة بأجمل أبيات دينية حتى وقتنا هذا و هي
يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ
إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ
أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ
ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ
و حين سمع الأمام الشافعيّ الكلمات الجميلة الصادقة والتي يفوح منها عبق التوبة والندم قام على الفور مسرعاً للصلاة على أبي نواس وذهب معه كل الحاضرين.
احيطك عزيزي القارئ علماً أنه لم يكن هدف هذا المقال الدفاع او حتى الإساءة لأبي نواس أو الإدعاء بالعلم بنا إذا كان صالحاً أم لا. ولكن كل ما شغل تفكيري في القصة هو تراجع الامام الشافعيّ عن موقفه ليعلمنا درساً هاماً جداً ألا وهو أنه رغم غضبه الشديد من ابي نواس الذي كان نابع من حرصه الشديد على الإسلام وتعاليمه وعدم نشر الفسق والتحريض عليه بطريقة أو بأخري إلا أن هذا لا يعني أن لنا الحق في الحكم على الآخرين أو التألي علي الله عز وجل والحكم على البشر .
إنما الحكم لله وحده و من يمنح نفسه الأحقية ان يحكم على غيره فهو يحاول ان يتخذ لنفسه صفة لم يمنحها الله له والعياذ بالله.
الحكم لصاحب الحكم لأنه هو الحَكَم العدل وهو ايضا الرحمن الرحيم و هو صاحب الجنة والنار وليس غيره.
يا عزيزي من له الحق في الحكم على الأخرين بالإيجاب أو السلب ليس لأحد منا أن أي وجه حق في النظر في أفعال غيره فيقول هذا رجل صالح او فاسد
ليس لنا الحق أصلا في النظر فيما يفعله الآخرون جميعنا في النهاية مرجعيتنا إلى الله تعالى ينظر لأعملنا ويغفر ويرحم هو بيده الثواب والعقاب ليس نحن ما لنا الحكم على بعضنا البعض ” إن الحكم إلا لله”.