لُعبة طاولة تحذر من تداعيات تغير المناخ على كوكب الأرض
لُعبة طاولة تحذر من تداعيات تغير المناخ على كوكب الأرض
كتبت: وفاء عبدالسلام
سلّطت لعبة كاتان (Catan)، في أحدث إصداراتها، الضوء على أزمة تغير المناخ وآثارها الكارثية في البيئة على نحو غير تقليدي بعيدًا عن التوجيهات الرسمية التي تخرج بها الفعاليات الدولية ذات الصلة بين الحين والآخر ويبرز الإصدار الجديد، الذي يحمل اسم “كاتان: نيو إنرجيز” (Catan: New Energies) الواقع بطريقتيْن واضحتيْن، إلى أن الكهرباء المولدة بالوقود الأحفوري تتسبّب في تلوث يغيّر الكوكب أكثر من الطاقة المتجددة، وهي تداعيات سيئة لا يشعر بها الجميع بالقدر نفسه.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن تغير المناخ يُنظَر إليه على أنه مصدر قلق كبير في العديد من أنحاء العالم، غير أن التكيف مع التغيرات ومعالجة جذورها أثبتا صعوبة بالغة ويرى مطور اللعبة أنها تساعد على تقدم المباحثات الجارية بشأن قضية المناخ، وتبادل الرؤى ذات الصلة والتفاوض حول المهام التي يتعيّن تنفيذها في هذا الخصوص، وفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
يُنظَر إلى الألعاب -عادةً- على أنها وسيلة للهروب من الواقع إلى عالم من المرح والخيال، لكن هذا لا ينطبق على الإصدار الأحدث من لعبة كاتان، إحدى ألعاب الطاولة الشهيرة التي تتعامل مباشرةً مع أزمة المناخ المستفحلة، وفق ما نشرته بلومبرغ (Bloomberg) وتدور اللعبة الألمانية المنشأة، التي يعود تاريخها إلى 29 عامًا -أساسًا-، حول جمع الموارد واستعمالها مثل الطوب والأخشاب لبناء المستوطنات وتوسيعها في عالم خيالي.
ورغم أن الشركة طرحت -على مدار سنوات- العديد من الإصدارات التي بِيع منها أكثر من 45 مليون نسخة حول العالم، فإن أحدث إصداراتها “كاتان: نيو إنرجيز” هي واحدة من أكبر وأهم التغييرات التي شهدتها اللعبة حتى الآن فبدلًا من الأحداث التي تدور سياقها في عصر ما قبل الصناعة في النسخة الكلاسيكية، تتطابق أحداث “كاتان: نيو إنرجيز” مع القرن الحادي والعشرين، إذ تؤدي عناصر حقيقية مثل محطات الكهرباء والتلوث دورًا رئيسًا وفي عالم “كاتان: نيو إنرجيز”، يبرز تغير المناخ تهديدًا معروفًا، إذ يبني اللاعبون البلدات والمدن والطرق ويتداولون السلع مثل الصلب والأقمشة، ويشيدون محطات الكهرباء.
في لعبة “نيو إنرجيز” لا تختلف طريقة اللعب الأساسية لجمع الموارد لبناء المستوطنات عن نظيرتها في الإصدار التقليدي، ولكن في النسخة الحديثة توجد بطاقات وقطع إضافية تمثّل عناصر أزمة المناخ فبدلًا من مجرد بناء الطرق والبلدات والمدن، يتعيّن على اللاعبين بناء محطات الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري أو محطات الطاقة المتجددة لجمع الكهرباء، لكن خياراتهم لها عواقب وخيمة فعلى سبيل المثال، إذا بنى أحد اللاعبين محطة طاقة تعمل بالوقود الأحفوري، فإن مستوى الغازات المسببة للاحتباس الحراري في اللعبة يرتفع، وهو ما يُشار إليه على اللوحة نفسها بعلامة صغيرة.
وفي هذا السيناريو، تزداد احتمالات وقوع أحداث مرتبطة بالمناخ في اللعبة، مثل الفيضانات أو تلوث الهواء ويمكن أن تؤدي هذه الظواهر المناخية إلى عرقلة إنتاج الموارد بالنسبة إلى اللاعبين، وبالتالي شل قدرتهم على توسيع مستوطناتهم والفوز باللعبة كما يمكن أن تؤدي إلى نهاية مبكرة للعبة، وفي هذه الحالة يفوز اللاعب الذي يمتلك أكبر عدد من محطات الطاقة المتجددة.
قال مصمم لعبة “كاتان: نيو إنرجيز”، بنيامين تيوبر، وهو نجل مصمم النسخة الكلاسيكية كلاوس تيوبر: “كان لدي جولات مذهلة من استعمال الوقود الأحفوري بصورة تنافسية جدًا، وما كنا نرغب في تحقيقه جميعًا هو الفوز”وأضاف تيوبر، أنه وخلال اختبار اللعبة كان يميل اللاعبون إلى البدء بصفة عدوانية، موضحًا: “لقد دمّرنا العالم في كل مرة لعبنا فيها”وكانت “كاتان: نيو إنرجيز” هي اللعبة الأخيرة التي عمل عليها تيوبر مع والده الذي تُوفي العام الماضي (2023)
وخلال تطوير اللعبة، أراد الابن ووالده التأكد من أنها تُظهِر نتائج إيجابية وسلبية ممكنة.
يتمثل القرار الحاسم الذي يواجه اللاعبون فيما إذا كانوا سيمضون قُدمًا في استعمال الوقود الأحفوري وتحقيق النمو العمراني، ما قد يفاقم أزمة تغير المناخ، أو سيستثمرون في مصادر الطاقة المتجددة، عملية بطيئة وأكثر تكلفة من شأنها أن تطيل زمن اللعبة وتتيح مسارات أخرى نحو تحقيق الفوز ومن الممكن أن تنتهي اللعبة قبل أوانها، على سبيل المثال، حال اختار اللاعبون أنشطة تستعمل الموارد بصورة مكثفة مثل بناء البلدات والمدن وعند تلك النقطة يفوز اللاعب الذي يحقق أعلى معدل من محطات الكهرباء العاملة بالطاقة المتجددة مقارنةً بمحطات الوقود الأحفوري.
لكن بمقدور اللاعبين الآخرين محاولة منع النهاية المبكرة من خلال بناء المزيد من مصادر الطاقة المتجددة وإزالة محطات الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة عندما وضعت شركة بلومبرغ غرين لعبة “كاتان: نيو إنرجيز” قيد الاختبار أُصيب اللاعبون بالحيرة والتردد، فبناء محطات الوقود الأحفوري أمر سهل، ويُعد الأكثر منطقية بوصفه إستراتيجية تدفع اللاعب إلى الفوز، ولكنه يبدو قرارًا خاطئًا من الناحية الأخلاقية.
وفي النهاية، تمكّن الجميع من بناء محطة وقود أحفوري واحدة على الأقل، على الرغم من أن اللاعب الفائز كان لديه مزيج من الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري
وقال مدير وحدة العمل المناخي في جامعة لندن، كريس دي ماير، إن ممارسة لعبة ما قد تكون أكثر إفادة من الأنشطة السلبية مثل الاستماع إلى محاضرة أو ندوة، مضيفًا أن “ممارسة الألعاب يمكن أن تحفز ما يُسمى التعلم التجريبي”، بتصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة
ويتوقع البعض أن تعمل الألعاب اللوحية على تحسين فهم المعرفة، وتعزيز التفاعلات الشخصية بين المشاركين، وزيادة الحافز لديهم.