إنتاج الهيدروجين يتلقى 5 ضربات في 2023.. التكلفة وعدم الجدوى أبرزها
إنتاج الهيدروجين يتلقى 5 ضربات في 2023.. التكلفة وعدم الجدوى أبرزها
.. وفاء عبد السلام
برز إنتاج الهيدروجين بوصفه بديلًا مستدامًا للنفط والغاز المطلقين لانبعاثات الكربون الضارة؛ إذ إنه متوافر بكثرة وأقلّ تلويثًا لكن تجارب ودراسات حديثة رصدتها منصة الطاقة المتخصصة، كشفت النقاب عن أن حلم الهيدروجين الذي ما زال يخطو خطواته الأولى قد واجه وابلًا من الانتقادات التي تنفي جدواه التجارية من الأساس بل وتؤكّد تأثيره البيئي الخطير.
وعلى أرض الواقع ارتفعت تكلفة الإنتاج والتخزين بسبب عوامل التضخم وارتفاع الأسعار والفائدة، في الوقت الذي أخذت فيها سياسات الدعم الحكومي خطوة للوراء، تاركة الهيدروجين في مهب الريح.
حذّرت دراسة عالمية، بقيادة مركز سيسيرو النرويجي لأبحاث المناخ (CICERO)، من أن معامل القدرة على الاحتباس الحراري (GWP) خلال 100 عام، ارتفع إلى 11.6 ± 2.8، ارتفاعًا من 11 ± 5 التي سجلتها نتائج دراسة بريطانية سابقة في 2022 ويقيس المعامل أثر الاحترار النسبي لطن واحد من غاز الدفيئة مقارنة بطن واحد من ثاني أكسيد الكربون على مدى مدة زمنية معينة وعلى مدار 20 عامًا، وجدت الدراسة أن قدرة الهيدروجين على التسبب في الاحتباس الحراري تبلغ 37.3 ± 15.1، في حين إن الحدّ الأدنى يبلغ 3.31 ± 0.9 على مدى 500 عام.
وفي الهند -صاحبة أكبر تعداد سكاني بالعالم- تُعوّل نيودلهي على الهيدروجين لإحداث نقلة تُقرِّبها من هدف الحياد الكربوني بحلول 2070 وفي تصريحات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، قال عضو المعهد الوطني لانتقال وتطوير الهند “نيتي أيوغ”، فيجاي ساراسوات، إن كيلوغرامًا واحدًا من الهيدروجين الأخضر يُطلق نحو 30 كيلوغرامًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بوساطة أجهزة المحلل الكهربائي المعتمدة على الشبكة حاليًا ولذلك عدّ المسؤول إنتاج الهيدروجين الأزرق المنتج من الغاز الطبيعي أكثر نظافة من نظيره “الأخضر”، موضحًا أن الأخير ليس محايدًا للكربون بالمعنى الحقيقي.
وأكد أن إنتاج الهيدروجين الأخضر يحمل بصمة كربونية أقلّ من “الأزرق”، في حالة واحدة فقط، هي عندما تصل الشبكة إلى توليد كهرباء محايدة كربونيًا بنسبة 90%.
كما حذّرت دراسة لمعهد سيسرو النرويجي من تأثير تسرّب الهيدروجين في الغلاف الجوي خلال عمليات الإنتاج والنقل والتخزين والاستعمال واستُعمل الهيدروجين وقودًا في سفن الفضاء منذ ستينيات القرن الماضي، وترجع المشكلات التي عانت منها سفينة أبوللو إلى تسرّب الهيدروجين من خلايا الوقود التي كانت تسيّرها.
وتفصيليًا، يمكن أن يؤثّر تسرّب الهيدروجين في تركيزات الميثان والأوزون ما يُسهم في تغير المناخ بصورة أقوى بمعدل 11.6 مرة من ثاني أكسيد الكربون.
كما أن الهيدروجين من غازات الدفيئة غير المباشرة؛ لأنه يتفاعل مع جزيئات “جذور الهيدروكسيل” لإطالة عمر غاز الميثان وزيادة إنتاج الأوزون بالغلاف الجوي.
إلغاء مشروعات هيدروجين
ألغت شركة الغاز الكندية “أتكو” (Atco) مشروعًا عملاقًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر في أستراليا، مبررةً الخطوة بعدم جدواه تجاريًا وكان من المقرر بناء محلل كهربائي بقدرة 10 ميغاواط بجوار مزرعة رياح بقدرة 180 ميغاواط، لتغذية المحطة بالكهرباء النظيفة، لإنتاج 4.3 طنًا سنويًا من الهيدروجين الأخضر.
يأتي ذلك رغم أن المشروع حصل على منحة من الوكالة الأسترالية الحكومية للطاقة المتجددة “أرينا” بقيمة 28.3 مليون دولار أسترالي (19.2 مليون دولار أميركي).
في الدنمارك أيضًا ألغت شركة أورستد Orsted وشريكتها الألمانية هايده (Heide) خطة مماثلة؛ بسبب التكاليف الزائدة وما ينتج عنها من مخاطر اقتصادية.
يأتي ذلك بعد شهور على إلغاء أورستد مشروعًا آخر لبناء محلل كهربائي في مصفاة هامبر (Humber) بالمملكة المتحدة؛ بسبب انعدام الجدوى التجارية.
وتلك الخطوة هي واحدة من تبعات ارتفاع تكاليف شحن المواد الخام والقفزة بأسعار الفائدة والتضخم، واضطراب سلسلة الإمدادات بعد تفشّي جائحة كورونا، الذي فاقمته الحرب الروسية الأوكرانية في 2022.
الهيدروجين يخذل أوروبا
دعمت أوروبا مصادر الطاقة المتجددة -ولاسيما الهيدروجين-؛ أملًا في تحقيق أمن الطاقة وتخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري وإيجاد بدائل لإمدادات الطاقة الروسية.
وعلى نحو خاص، كان الآمال معلّقة على الهيدروجين لكهربة قطاعي النقل والصناعات الثقيلة والصلب والكيماويات، لكن الخطط لم تَسِر على الطريق المنشود.
وفي المملكة المتحدة، توقفت حافلات الهيدروجين بعد 3 أشهر فقط على إطلاقها بشوارع ليفربول؛ بسبب شح إمدادات الوقود، وألقت السلطات باللائمة على مشكلات سلاسل الإمداد العالمية.
كما أن المدينة الساعية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2040 كانت تستعمل الهيدروجين الرمادي المُنتج من الغاز، وهو أرخص أنواع الهيدروجين، ويتسبب في إطلاق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؛ إذ إنه أكثر تلويثًا من الديزل.
حافلات الهيدروجين في ليفربول
حافلات الهيدروجين في ليفربول – الصورة من موقع المدينة الرسمي
وفي ألمانيا، انتقد اتحاد ركاب السكك الحديدية “برو بان” (Pro Bahn) قطارات الهيدروجين، نافيًا جدواها من الأساس، لأنها مكلفة وتؤخر الاستعانة ببدائل أخرى أجدى مثل تلك العاملة بالبطاريات.
جاءت الانتقادات بناءً على تجربة فشل أول خط سكك حديدية يعمل بخلايا وقود الهيدروجين بالكامل في ولاية ساكسونيا السفلى، بعدما كلّف خزينة أكبر اقتصاد أوروبي 93 مليون يورو (99.2 مليون دولار أميركي).
وبعد عام كامل من التجربة، أعلنت الولاية في أغسطس/آب 2023 استبدال قطارات الديزل بأخرى كهربائية تعمل بالبطارية؛ لأنها أرخص من قطارات الهيدروجين.
بالعودة إلى بريطانيا، من المقرر أن تقرر المملكة المتحدة بشأن استعمال الهيدروجين في التدفئة بحلول 2026 بديلًا للغاز الطبيعي.
لكن وزير أمن الطاقة لورد كالانان أكد أن الخطوة مستحيلة التحقق عمليًا لأسباب تتعلق بالتكاليف وتوفير إمدادات موثوقة من الهيدروجين وتحويل أنابيب الغاز لنقل الهيدروجين.
يتفق مع الوزير، سابقه غرانت شابس الذي حذّر من أن الخطوة قد يعقبها اضطرابات، وأن جزيئات الهيدروجين صغيرة لدرجة تسمح بتسرّبها عبر أنابيب نقل الغاز، وهو ما يرفع التكلفة نظير الحاجة لاستبدال الكثير من الأنابيب الحالية.
وانضم للوزيرين مؤسس صندوق التحوط البريطاني أرغونوت كابيتال بارتنرز (Argonaut Capital Partners)، باري نوريس، الذي جاهر أيضًا برفضه للهيدروجين، واصفًا إياه بأنه “رهان خاسر” و “مضيعة للوقت” للمستثمرين المهتمين بكسب المال في المستقبل المنظور.