المزيد

من هي الراقصة التي رقصت علي الذهب والفضة وفتحت زجاجات الشمبانيا لخيولها وماتت وهي تتسول في الشوارع؟

كان جمالها يأسر العيون ويسلب القلوب؛ كان الذهب والفضة ينثران تحت قدميها؛ باشوات وأعيان أنفقوا عليها كل ثرواتهم من أجل كلمة رضا ونظرة من عيونها؛ بل كانوا يشربون الخمر من حذائها. سكنت القصور وامتلكت الدور والعربات التي تجرها عشرات الخيول كالأميرات. ثم أعطاها الزمن ظهره ففقدت كل شيء وانتهت تتسول في الطرقات من أجل قوت يومها. إنها شفيقة القبطية.

وُلدت شفيقة في عام 1851 في شارع نخلة في منطقة شبرا بالقاهرة؛ لأسرة مسيحية ملتزمة دينيا. وفي سن 16 عام تزوجت شفيقة من كمساري ترام.

وفي أحد المناسبات التي كانت تحييها راقصة القرن التاسع عشر “شوق” والتي رقصت في حفل افتتاح قناة السويس؛ برعاية الخديوي إسماعيل احتفالا بإمبراطورة فرنسا “أوجيني”. شاهدت “شوق” شفيقة وأعجبت بجمالها ومهارة رقصها؛ فعرضت عليها أن تعمل بالكازينو الذي كانت تمتلكه.

 

حسمت شفيقة أمرها سريعا؛ فهربت من منزل عائلتها المتدينة والتي كانت بالطبع ترفض أن تعمل ابنتهم كراقصة. ومن ملهي “شوق” ذاع صيت شفيقة وخطفت الأضواء من كل الراقصات في ذلك العصر. وساعدها الحظ كثيرا؛ إذ توفيت شوق بعد شهر واحد من عملها عندها؛ فتربعت شفيقة منفردة علي عرش الرقص الشرقي.

 

ومن كل حدب وصوب قدم إليها أثرياء وعلية القوم ليشاهدوا الراقصة الفاتنة التي يتحدث عنها الجميع؛ وتحت قدمين شفيقة كانت تُلقي الجنيهات الذهبية والفضية كالمطر. سافرت شفيقة بعد ذلك إلي فرنسا ورقصت علي مسارحها حتي قالت عنها الصحف آنذاك “شفيقة القبطية الراقصة العالمية وملكة الرقص الشرقي”، ثم أخذت شفيقة جولة فنية عالمية وزارت من خلالها معظم الدول العربية والأوروبية. حتي أن إحدى شركات مواد الزينة الفرنسية كانت تضع صورة شفيقة علي منتجاتها؛ والتي انتشرت حول العالم.

 

كانت شفيقة تعيش حياة الملكات والأميرات؛ حتي أنها اقتنت ثلاث عربات حنطور كالتي يركبها الخديوي وأولاده الأمراء والأميرات، كانت كل عربة منها يجرها أربع خيول مطهَّمة. وكانت تستخدم طاقم من الخدم الإيطاليين الذين كانت تلبسهم من أشهر الماركات العالمية.

اشتهرت شفيقة كذلك بالكرم اللامحدود؛ حتي قيل أنها عندما كانت تسير في أحد الشوارع مستقلة عربتها الفاخرة؛ شاهدت شخصان يتشاجران؛ فأوقفت العربة ونزلت لتري ما يحدث؛ فقيل لها أن أحد الرجلين قد استأجر من الرجل الآخر متجرا وعجز عن دفع الإيجار لعدة شهور؛ فدفعت شفيقة مبلغ الإيجار بالكامل وأعطت المستأجر أيضا منحة مالية سخية حتي يشتري ما يلزمه من بضائع. كذلك كانت لا تأنف أن ترقص في أفراح الفقراء بل وتعطي العروسين من مالها مصاريف شهر العسل.

 

وفي شارع عماد الدين بوسط القاهرة افتتحت شفيقة الملهي الليلي الخاص بها؛ والذي تردد عليه علية القوم وكبار رجال المال والسياسة؛ والذين لم يترددوا أن ينفق بعضهم كل أموالهم من أجل عيون شفيقة؛ حتي قيل أن أحدهم كان يسقي خيول عربات شفيقة بالشمبانيا كي ينال رضاها والقرب منها.

كان الزوج الكمساري في حياة شفيقة مجرد ظل يتبعها ويرفل من النعيم الذي توفره له النجمة اللامعة؛ هو زوج صوري لا دخل له في حياتها وكأنه غير موجود. ولأن شفيقة قد نالت الدنيا كلها ولكنها حُرمت من الأمومة؛ قررت أن تتبني طفلا لتقوم علي تربيته وتنشأته ولتسمع منه أحلي كلمة تشتاق إليها كل امرأة “ماما”. تبنت طفل وأسمته ذكي وأعطته كل ما يتمناه إنسان. ولكن ذكي الذي نشأ بين الراقصات والمجون والملاهي الليلية قد شب عربيدا سكيرا مدمنا للمخدرات؛ وبعد أن زوجته شفيقة في سن مبكرة ليستقيم حاله؛ توفي بسبب تناول جرعة زائدة من المخدرات.

 

بسبب حزن شفيقة الشديد علي ذكي أقبلت علي تعاطي المخدرات وشرب الخمور بإفراط، ودارت عجلة الزمن سريعا؛ وزال عن وجه شفيقه بريق الشباب؛ فانفض المعجبون من حولها وتركها الجميع وحيدة تعاني. ولأن الكمساري الزوج كان كما قلنا ظلا علي جدار؛ كانت شفيقة تتنقل بين أحضان الشباب الذين نصبوا عليها وجردوها مما تبقي لها من مال أو عقار. حتي شوهدت ملكة الرقص وهي تتسول في طرقات القاهرة باحثة عن الطعام وثمن الدواء.

وفي عام 1926 وبعد أن أتمت عامها الخامس والسبعون؛ ترحل شفيقة القبطية في صمت؛ بعد أن شربت من كأس الذل والمهانة؛ ولم يمشي في جنازتها سوي شخصان فقط؛ الظل أقصد الزوج الكمساري، والعربجي الذي كان يحميها من زوجها الكمساري إذا لعبت الخمر برأسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى