عشوائية فوق 3 عجلات!

بقلم- د. محمد_يونس
«طايش لكن عايش».. هذه الشعار الذى قرأته على ظهر توك توك يلخص بعبقرية ما تفعله هذه المكينة التى اجتاحت شوارعنا فى غير غفلة من الزمان والمكان، لتجعلنا نعيش حالة من الطيشوائية! وهى الابنة الشرعية التى خلفها أول عقد قران من نوعه بين العشوائية والطيش:عشوائية المكينة وطيش قائدها.
والطيش كما ورد فى لسان العرب هو خفَّة العقل.. فنقول طاش الرجلُ بعد رَزانتِهِ ..و طَيْشُ العقل ذهابُه.. وفى حديث ابن شبرمة وسُئل عن السُّكْر فقال إِذا طاشت رِجْلاه واختلطَ كلامُه» وهذا بالضبط ما ينطبق على سائقى التوك توك، فغالبيتهم من صغار السن، وليس لديهم رخصة قيادة، ولا يلتزمون بأى قواعد للمرور بل يسيرون برعونة في الشوارع الرئيسية فى كل اتجاه،وعكس الاتجاه أيضا، مما يعرض حياة السائقين والركاب للخطر.
وإذا كنا نعانى مما تخلفه أى منطقة عشوائية، من تأثيرات سلبية على المنطقة التى تقع بها، فما بالنا إذا كانت هذه العشوائية تتحرك فوق ثلاث عجلات وتوزع هذه الأضرار فى مختلف الاتجاهات، لتجسد كل مساوئ العشوائية، ومنها الإزعاج وإرباك الحالة المرورية، وتلويث البيئة، إضافة إلى المواقف المربكة لمكينات التوك توك بالقرب من المساكن. وهناك جانب أخر من هذه المساوئ يتمثل فى القضاء على الصنايعية وتجفيف منابع الحرفيين، الذين اعتادوا على تعليم الصغار العديد من الحرف المهمة كالسباكة والحدادة والنجارة، حيث هجر الكثيرون منهم الورش الحرفية لاعتلاء عرش التوك توك والتمتع بما يدره من دخل سريع ووفير.
هذه المأساة ليست فى منطقة واحدة بل تجتاح مختلف المحافظات، حيث يوجد بالدولة أكثر من 3 ملايين توك توك، وفقاً لإحصائية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مارس 2018، بينما لم يتجاوز عدد ما تم ترخيصه 238 ألف توك توك حتى منتصف العام الماضي.
وعلى الجانب الآخر لا ننكر أن التوك توك حل أزمة كبيرة للنقل، ووفر وسيلة سهلة ورخيصة نسبيا، خاصة فى القرى والمناطق النائية، كما يعتبر مصدر رزق للبسطاء، والشباب.ولهذا طالب رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، منذ مطلع سبتمبر 2019 ببدء برنامج لاستبدال التوك توك، بسيارات آمنة ومُرخصة تعمل بالغاز الطبيعي. ولكن بعد مرور عام على ذلك لا يزال التوك توك يمرع فى شوارعنا!.
نعم حدثت قرارات على مستوى بعض الأحياء للحد من حضور هذه العشوائية بالشوارع الرئيسية للمدن، ومنها قرار وزير التنمية المحلية، فى أبريل الماضي، بحظر سير «التوك توك»، فى عواصم المحافظات وشوارع المدن الرئيسية، وقصر خطوط سيره على القرى والنجوع والأماكن غير المخططة فقط. كما أصدر محافظ القاهرة السابق، قرارًا لرؤساء الأحياء، بإخطار مالكى وحائزى التوك توك سرعة التقدم بالمستندات اللازمة، لبحث كيفية تقنين سيرهم. وأعلنت المحافظة أنها ستعمل على تنفيذ قرار استبدال مركبات التوك توك بسيارات المينى فان، و أنها تمنع سيره حاليًا ببعض الأحياء والطرق السريعة.
كما أن هناك حديثا عن مناقشة برلمانية لتعديلات على قانون المرور الجديد تتضمن مادة لسحب رخصة القيادة فى حالة السير بالمركبة بدون الرخصة وغرامة من 5 آلاف إلى 20 ألف جنيه مع تحديد 4 عقوبات للقيادة بالسرعات الزائدة، ويلزم القانون أصحاب المصانع والمحلات بعدم بيع أية مركبة توك توك جديدة بدون ترخيص قبل البيع لتجفيف المنابع، كما يلزم سائقى التوك توك بإجراء كشف دورى وتحليل مخدرات.
وكل ذلك خطوات تمهيدية للحد من المشكلة ولكن الحل الجذرى لا يزال بعيد المنال. نحتاج إلى إعلان خطوات جادة لتنفيذ برنامج الحكومة لاستبدال وإحلال التوك توك بسيارات آمنة ومُرخصة، مثل المينى فان التى تعمل بالغاز الطبيعي، على أن تتبنى الجهات المعنية، تنفيذ هذا البرنامج، مثلما حدث سابقا فى استبدال سيارات التاكسى القديمة، ليحل محلها التاكسى الأبيض .وحتى يتحقق ذلك سيظل التوك توك يلوث البلاد ويزعج العباد!.



