مقالات

الاسلاموفوبيا و”المسلموغفلة”

منذ بداية الألفية الجديدة يـ تصاعد العداء والكراهية تجاه الإسلام والمسلمين، فيما يعرف بمصطلح الإسلاموفوبيا ، الذى تجلى فى حملات إعلامية وسلوكيات عنيفة ضد المسلمين من حين إلى آخر، وفى العادة يتراوح رد الفعل تجاه هذه الحملات بين بيانات شجب وإدانة لها من جانب الدول و الهيئات والمنظمات الإسلامية ، ومسيرات تعبر عن غضبها فى بعض البلدان الإسلامية أو حدوث أعمال عنف مرفوضة تنسب إلى مسلمين، وكل ذلك ينم عن عشوائية وغفلة تنتمى إلى أسلوب إطفاء الحرائق أو ما يمكن أن نسميه بحالة «المسلموغفلة» فى مواجهة الإسلاموفوبيا ، ولكنها لا تعبر عن العمل المؤسسي المنظم لهيئات ومنظمات إسلامية دولية من المفترض أن لديها خطط عمل تجسد مسئوليتها تجاه أولئك الذين تتحدث باسمهم.

شرح هذين المصطلحين يحتاج إلى تفاصيل أكثر: يتكون مصطلح الإسلاموفوبيا من كلمتين الإسلام وفوبيا التى تعنى رهاب أو خوف، والمصطلح يعني الخوف المرَضى من الإسلام، وهو يوحى بالتحامل على الإسلام والمسلمين وكراهيتهم والخوف منهم، واتخاذ كون المرء مسلماً أو مسلمة سبباً كافياً للاعتداء عليه.

ولكن هذه الحالة العدائية، فى حقيقة الأمر مرتبطة بجذور تاريخية تسبق ظهور المصطلح ذاته، حيث تعود إلى العصور الوسطى، وتعتمد على أفكار ومعلومات مغلوطة تنتمي إلى مرحلة الاستعمار الغربي للشرق بما فيه بلاد المسلمين، من خلال ما قام به المستشرقون الأوائل الذين كانوا رءوس حرب ضمن الخطط الاستعمارية، قبل أن يصححها الاستشراق العلمى الحديث، إلا أن تلك المغالطات لا تزال موجودة فى الذاكرة الجمعية الغربية، خاصة أن مادة التاريخ التي تدرس بالمدارس فى الدول الغربية، لا تخلو من معلومات تغذى هذه الكراهية، ويتم استدعاؤها عبر الآلة الإعلامية والمقتضيات السياسية المحلية كالانتخابات وغيرها لاستقطاب أصوات اليمين المتطرف ، أو لمواجهة الهجرات إلى أوروبا ، ناهيك عن أفعال العنف التى يقوم بها بعض المسلمين المتطرفين ويتم تضخيمها.

أما المصطلح المعبر عن هذه الحالة، فظهر أول مرة عام 1997، عندما استخدمته جهة بحثية بريطانية تسمى رينميد ترست، لإدانة تنامى مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين، فى دراسة استهدفت تسليط الضوء على الظاهرة، بعنوان: « الإسلاموفوبيا : تحدٍّ لنا جميعاً». وازدهرت حالة « الإسلاموفوبيا » إثر هجمات 11 سبتمبر 2001م، التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية وتبناها تنظيم القاعدة، وأحدثت تغيرا فى العلاقات الدولية، وقد أعاد ذلك مشكلة الصراع بين الإسلام والغرب، فاستغل بعض المفكرين الغربيين الوضع لإظهار الإسلام عدوا جديدا بديلا عن الشيوعية.

كما استثمرت الأحزاب اليمينية المتشددة تلك الأحداث فى تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين، وتوظيفها لأهداف حزبية خاصة ليتمظهر كل ذلك فى أفعال عدائية وتمييز عنصري خاصة ضد العرب والمسلمين، فظهرت الشعارات والآراء والهتافات التى تشحن النفوس بالكراهية ضد كل ما هو إسلامي، وتكرر نزع حجاب المتحجبات والتحرش بهن فى الأماكن العامة، والتعدى جسديا على المسلمين والمساجد، ومحاربة المؤسسات الإسلامية والجمعيات الخيرية، ومنعها من القيام بدورها الديني والإنساني، والتحيز ضد المسلمين فى وسائل الإعلام والمحادثات اليومية، والتمييز ضدهم فى التوظيف وتوفير الخدمات مثل التعليم ّ والصحة.

وازدادت موجة كراهية المسلمين بعد الأزمة المالية عام 2007م نتيجة الترويج الإعلامى لفكرة أن الهجرات المقبلة من الشرق الأوسط تزاحم الأوروبيين فى الحصول على فرص العمل، ثم تصاعد ذلك مع موجات اللجوء القادمة من سوريا والعراق ودول آسيوية أخرى.

وتعتبر وسائل الإعلام الغربية المتهمَ الأبرز فى تأكيد النظرة العدائية إلى الإسلام والمسلمين يليها اليمين المتطرف، بحسب دراسات عديدة منها (إليزابيث بول: موسوعة الدراسات العرقية والإثنية).وبعد مرور 20 عاماً على استخدام المصطلح أول مرة، أصدرت رينميد ترست تقريراً ثانياً فى عام 2017، بعنوان: « الإسلاموفوبيا : لا تزال تمثل تحدّياً لنا جميعا»ً، أكَّد تحوُّل الإسلاموفوبيا إلى ظاهرة عالمية، تستدعى التعامل معها بقدر أكبر من الجدية، نظراً إلى خطورتها على السِّلم المجتمعى فى العالم, على حد وصف التقرير.

وما انتهى إليه هذا التقرير لا يختلف عما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، الذى حذر من تنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا حول العالم، ووصفها خلال مؤتمر صحفي، عقده مع وزير الخارجية الباكستاني (16 فبراير 2020) بأنها أصبحت أمرا لا يطاق، مؤكدا التزام المنظمة الأممية بمحاربة جميع المسببات التى تقف وراء تصاعد هذه الظاهرة بالعالم، لافتا إلى الدور الذى يلعبه خطاب الكراهية فى هذا الصدد، معتبرًا أنه أحد أهم أدوات الإسلاموفوبيا . ولكن فى المقابل ماذا فعل العالم الإسلامى (أفرادا ومؤسسات ودولا) لمواجهة هذه الظاهرة؟ ..الإجابة تحتاج إلى مقال آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى