المزيد

الإعداد للحرب العالمية الثالثة

 

عرض وتحليل: محمد عبدالمولي

هيلين توماس .. قالت كلمة الحق بعد نصف قرن!

ظلت الإعلامية الأمريكية الشهيرة هيلين توماس تخفي حقيقة رأيها في الكيان الصهيوني في فلسطين ردحاً طويلاً من الزمن, وكانت تعصر نفسها وتتجاسر على مشاعرها وتضغط عليها حتى حدود النفاق, لكن استطاع اللوبي اليهودي أخيرا أن يوقعها في كمين وأن ينتزع منها تصريحاً تقول فيه «إنها تقترح عودة اليهود إلى دولهم في أوروبا وأمريكا وترك فلسطين للفلسطينيين سكانها الأصليين». وفي لمح البصر بثت المقابلة الخاطفة على موقع «يوتيوب», ومن هذا الموقع تحول الخبر إلى صرخة مدوية يتردد صداها في كل وسائل الإعلام العالمية . وفور إطلاق هذا التصريح الناري من ملكة الإعلام الأمريكي تسابقت عليه وكالات الأنباء الغربية وسط تنديد ومعارضة شديدة, ومن ناحيتها, أعلنت وكالة ناين سبيكرز أنها أسقطت هيلين من قائمة المتعاملين معها, وبعد ذلك تطايرت الإقالات لهيلين توماس من كل المؤسسات الإعلامية التي كانت تتعامل معها وكأنها ارتكبت جرماً فاضحاً وفاحشاً في حق الإنسانية جمعاء. لقد استطاعت هيلين توماس أن تؤسس لها مقعداً في مقدمة الصفوف في قاعة المؤتمرات الصحافية لرؤساء أمريكا في البيت الأبيض, وعاصرت أكثر من عشرة رؤساء للولايات المتحدة, وكان كل رئيس أمريكي يحرص على أن يمنحها ــ بالاسم ــ فرصة طرح السؤال الأول الذي غالباً ما يكون الأعمق والأجرأ, وكانت هيلين تطلق أسئلتها المفحمة كالرصاصات في عب كل رئيس, وطوال نصف قرن كانت هيلين معروفة بكياستها وأسئلتها الجسورة, وكانت تعرف متى تصوغ الأسئلة التحريضية أمام رؤساء الولايات المتحدة لإرغامهم على التصريح أو التلميح حول القضايا الشائكة التي كانت تحرج رؤساء أكبر دولة في العالم. ورغم أن هيلين تنحدر من جذور عربية لبنانية إلا أنها كانت طوال نصف قرن تتظاهر بأنها تتعاطف مع إسرائيل, أو هكذا كانت تبدو, لكنها بعد انفراط نصف القرن هذا نجح اللوبي الصهيوني في الوصول إلى أعماق هيلين التي لم تتحدث صحافيا, بل عبرت عن مشاعرها العربية الدفينة وقالت بصراحة شديدة «على الغربيين اليهود أن يرحلوا عن فلسطين ويعودوا إلى بلادهم في أوروبا وأمريكا ويتركوا فلسطين للفلسطينيين سكان الأرض الحقيقيين» . والحقيقة أنني بعد أن شاهدت هذا الخبر الصاعق الذي أدلت به هيلين لم يخالجني أدنى شك أن هيلين ستتعرض لسلسلة وافرة من هجوم المنظمات الصهيونية التي تنتمي إليها أو التي كانت تنتمي إليها, لكن في الوقت نفسه ندت مني تنهيدة وقلت: أخيراً نطَقْتِ يا هيلين, لقد ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً. إن هيلين توماس لم تحتل هذه المكانة الإعلامية الرفيعة من فراغ, بل احتلت هذه المكانة لأنها كانت صحافية أمريكية لامعة, وكانت ترافق الرؤساء الأمريكيين في كل رحلاتهم حول العالم حتى شغلت منصب رئيس مكتب «يونايتد برس» في البيت الأبيض لأكثر من 25 عاماً, وخلال تلك الفترة كانت تكتب عموداً بعنوان «السلم الخلفي للبيت الأبيض», وشهد هذا العمود رأي هيلين في جميع الرؤساء الذين مرت بهم, وطوال رحلتها المديدة أنجبت هيلين توماس مجموعة من الكتب التي احتلت الصدارة في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم منها، في «الصف الأول داخل البيت الأبيض حياتي وأوقاتي», وكتاب «سيدي الرئيس انصت», ثم كتاب «كل ما تريد لرئيسك أن يعرف ويفعل», وكتاب «كلاب حراسة الديمقراطية», الذي انتقدت فيه بشدة تقلص دور الصحافة في فترة الرئيس بوش الابن, وفي هذا الكتاب قالت إن الصحافيين تحولوا من كلاب حراسة للديمقراطية إلى كلاب أليفة تحرس القيود على الديمقراطية, ثم أصدرت الصحافية المثيرة للجدل هيلين توماس كتابها المعنون بعنوان «شكراً للذكريات سيدي الرئيس». الخوف الآن هو أن تواصل المنظمات الصهيونية ابتزاز هذه الست العجوز وتطلب منها أن تمتدح الكيان الصهيوني حتى يخف الهجوم ويتهموها بالاتهامات إياها وهي أنها ضد السامية ويدخلوها في سلسلة من الاتهامات حتى يستصدروا أحكاماً قضائية مؤذية ومؤلمة, ثم يفرضوا عليها أنْ تشن هجوماً على العرب والإسلام حتى لا تتهم بأنها إرهابية كالعرب الإرهابيين! إن قضية طرد هيلين توماس من مؤسستها الصحافية ومن كل المؤسسات ذات العلاقة, إنما تعبر عن أزمة حرية التعبير التي تعانيها أكبر دولة تدعي احترامها حقوق الإنسان, وبالذات الحريات الفردية وبالذات حرية التعبير. ونحن نتساءل: أي حرية تدعيها الولايات المتحدة وهي لا تقوى على تحمل تصريح موضوعي لصحافية شاءت الأقدار أن تضعها قدراتها في الصف الأول في قاعة المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض؟! لقد ثبت لدى الإعلام الغربي أن حرية الإعلام شعار له أشكال وألوان, ولم تكن حرية التعبير إطلاقاً مبدأ راسخاً من مبادئ حقوق الإنسان, كما أن حرية التعبير في الإعلام الغربي لها مكاييل تكال بها وموازين توزن بها ومن خلالها تمنح الحريات أو تختزل. هيلين توماس الذي يتكالب عليها الإعلام الصهيوني الغربي الآن قالت كل شيء ولا يهمها بعد ذلك ما يقوله الإعلام الغربي, لأنها سطّرت كل ما يعن لها من كلام في خمسة كتب وفي حشد هائل من المقالات والتقارير, ومن يريد أن يعرف ويتعرف على هيلين توماس بنت طرابلس اللبنانية الأصيلة فليقرأ كتبها ولا يلتفت إلى ما يقوله الإعلام الصهيوني المأجور.

*** هيلين توماس: عميدة صحافيي البيت الأبيض.. عاصرت 10 رؤساء من كيندي إلى أوباما

في كتابها «الصف الأول في البيت الأبيض: حياتي وأوقاتي» ذكرت هيلين توماس عميدة صحافيي البيت الأبيض أن والدها، جورج، هاجر إلى أميركا سنة 1892، قبل ثلاثين سنة تقريبا من ولادتها. كان عمره سبع عشرة سنة، ويحمل في جيبه «بضعة سنتات وكيسا فيه ملابسه، وكتاب صلاة مسيحية باللغة العربية». في وقت لاحق، استقر في ولاية كنتاكي مع أقارب له، وبدأ يبيع الخضروات والفواكه والحلوى والسجائر بعربة يجرها حصان، وتجوب الريف الأميركي.
مثل بعض المهاجرين، تردد في البقاء في أميركا، وعاد إلى لبنان حيث تزوج «ماري» اللبنانية، وأنجب البنت الأولى «كيت». ثم غير رأيه مرة أخرى، وعادا إلى ولاية كنتاكي حيث أنجبا هيلين وبقية إخوانها وأخواتها.
في كتابها، قالت هيلين إنها لا تتذكر متى قررت أن تكون صحافية، لكن «ذكرت لي صديقة الطفولة، ليلي شيغيرت، أن عمري كان اثنتي عشرة سنة عندما قلت لها إنني أريد أن أكون صحافية».
بعد سنوات قليلة، في المدرسة الثانوية، نشرت أول تقرير في «انديان»، جريدة المدرسة. وتذكرت في وقت لاحق في كتابها: «أصابتني رؤية اسمي في الجريدة لأول مرة فخرا، واستعلاء. وشعرت أن حبر المطبعة التي كانت تطبع فيها الجريدة صار يسير في دمي».
وعندما انتقلت إلى ديترويت للدراسة في جامعة وين، عملت في جريدة الجامعة. وفي سنة 1943، قبل عشرين سنة من ميلاد أوباما، انضمت إلى وكالة أخبار «يونايتدبرس»، وعملت فيها أكثر من ستين سنة. (مؤخرا، انتقلت إلى وكالة هاريس، والآن، تمثلها في البيت الأبيض).
عندما جاءت إلى واشنطن، ولعشرين سنة، كانت تغطي أخبار واشنطن المحلية. وفي سنة 1960، عندما ترشح السناتور كنيدي لرئاسة الجمهورية، طلبت منها الوكالة أن تتابع حملته الانتخابية في واشنطن. ثم طلبت منها أن تتابع الحملة خارج واشنطن. وعندما فاز كنيدي، طلبت منها أن تكون مندوبة الوكالة لأخبار البيت الأبيض.
كانت تلك نفس السنة التي ولد فيها أوباما.
لأن هيلين، في ذلك الوقت، كانت الصحافية الوحيدة في غرفة المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض، اقترح عليها زملاؤها أن تختتم كل مؤتمر صحافي للرئيس كنيدي بعبارة «ثانك يو مستر بريزيدنت» (شكرا السيد الرئيس). ومنذ ذلك الوقت، وحتى الأسبوع الماضي، عندما عقد الرئيس أوباما مؤتمرا صحافيا، أنهت هيلين المؤتمر بنفس العبارة.
وظلت هيلين تحتل نفس المقعد في قاعة المؤتمرات الصحافية. (قبل سنوات، صار مقعدها «معقد شرف»، وحفر اسمها فيه).
وظلت تجلس في المقعد قرابة نصف قرن. عاصرت خلاله عشرة رؤساء، من كنيدي إلى أوباما: جونسون، نيكسون، فورد، كارتر، ريغان، بوش الأب، كلينتون، بوش الابن.
كانت أول صحافية رافقت نيكسون عندما زار الصين لأول مرة، بداية لاعتراف أميركا بها. وأول امرأة ترأس اتحاد مراسلي البيت الأبيض. وأول امرأة ترأس نادي الصحافة الوطني في واشنطن.
يوم الثلاثاء، عندما فضل أوباما عيد ميلادها على عيد ميلاده، وقدم لها كعكة، وغنى لها «هابي بيرثداي تو يو»، كان أيضا يريد إذابة جليد في علاقتهما. رغم أن هيلين رحبت بفوز أوباما برئاسة الجمهورية، ورغم أنها ناكفت الرئيس السابق بوش، خاصة بسبب تأييده القوي لإسرائيل، مثلما لم يناكفه زملاؤها وزميلاتها، أحس أوباما بحرج عندما سألته، في أول مؤتمر صحافي، عن إسرائيل. سألت: «لماذا تتحدث عن قنبلة إيران النووية، ولا تتحدث عن دول أخرى في المنطقة تملك أسلحة نووية؟» (لم تشر إلى اسم إسرائيل). لكن، رفض أوباما أن يجيب عن السؤال خوفا من أن يشير إلى إسرائيل. (هذا موضوع محرم وسط السياسيين الأميركيين).
توتر أوباما، ليس لأنه لا يعرف الإجابة، ولكن لأنه أحس أن هيلين تريد إحراجه وهو في البداية. لكن، قالت هيلين إنها لم تقصد ذلك، وأن «التقاليد الصحافية» تسمح لها أن تسأل السؤال. في الشهر الماضي، توترت علاقتها مع أوباما مرة أخرى، عندما عرفت انه دعا صحافيا معينا لحضور مؤتمره الصحافي ليسأله سؤالا معينا عن موضوع معين. وقالت هيلين إن «التقاليد الصحافية» لا تسمح بهذا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى