المزيد

الإبتزاز التركي لأوروبا ..

والعقوبات الأمريكية
**********
إعداد
محمد عبدالمولي

تركيا: سنعيد دواعش شمال سوريا إلى أوروبا

أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، السبت، أن بلاده ستعيد سجناء تنظيم “داعش” في شمال شرقي سوريا إلى بلدانهم في أوروبا.
وأضاف صويلو أن “تركيا ليست فندقاً لعناصر داعش من مواطني الدول الأوروبية.

كما قال عن الموقف الأوروبي الذي جعل تركيا تتعامل بمفردها مع مسألة السجناء: “هذا أمر غير مقبول بالنسبة لنا وغير مسؤول أيضا… سنرسل أعضاء داعش المعتقلين إلى بلادهم”.

وسبق للوزير التركي أن انتهج نفس الأسلوب في ما يتعلق بملف اللاجئين السوريين، إذ هدد بفتح الحدود لهم إلى أوروبا في يوليو الماضي. وقال إن الحكومات الأوروبية لا تستطيع الصمود 6 أشهر، في حال فتحت تركيا أبوابها أمام المهاجرين وسمحت لهم بالعبور نحو القارة الأوروبية. وقال صويلو في حينه: “سنقوم بما يلزم، وسننزل ضربة موجعة بالذين يريدون أن يجعلوا من تركيا مركزاً للهجرة غير النظامية، وسنقطع الماء والهواء عن مهربي المهاجرين”.

انتقاد لاذع من أوروبا للعملية التركية
———————————————
يذكر أن الاتحاد الأوروبي أدان الهجوم التركي شمال سوريا، وأعلن في 22 أكتوبر أن العملية العسكرية التركية، تدعم تنظيم داعش وتهدد الأمن الأوروبي. ودعا أنقرة لوقف الهجوم في سوريا وسحب قواتها واحترام القانون الدولي.
وفي وقت سابق، قالت المجموعة الأوروبية في مجلس الأمن، إن العمل العسكري التركي يهدد جهود مكافحة تنظيم داعش في سوريا. وأضافت أنها تواصل “دعوة كافة الأطراف في شمال شرقي سوريا لحماية المدنيين”، بعد الهجوم الذي أطلقته أنقرة، الأربعاء، وتسبب بنزوح أكثر من 60 ألف مدني حتى الآن، وفق المرصد السوري.
وكانت تركيا دعت أوروبا في التاسع من أكتوبر إلى استعادة مواطنيها، من عناصر تنظيم داعش، الأسرى في سوريا، تزامناً مع العملية العسكرية التي تشنها في شمال سوريا.
وأثارت العملية العسكرية التركية في شمال سوريا المخاوف بشأن مصير آلاف من عناصر التنظيم، الذين يحتجزهم الأكراد حالياً قرب تلك المنطقة.
وصرح إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية لهيئة الإذاعة البريطانية، أن “جذور هذه المسألة.. هو أن الدول الأصلية (للأسرى) لا تريد عودتهم”.
وتشير بعض التقارير إلى بقاء ما بين 14 ألفاً و18 ألف عنصر من داعش في سوريا والعراق، بما في ذلك 3000 أجنبي.

80 ألف تركي في السجون..
———————————-
تقرير أميركي يؤكد قمع أنقرة
————————————
إعتبر تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية أن السلطات التركية استخدمت قانون الإرهاب من أجل قمع آلاف المواطنين. وأوضح التقرير السنوي الصادر عن الوزارة والذي يتطرق إلى شؤون الإرهاب للعام 2018، أن السلطات التركية صنفت جماعة فتح الله غولن التركية منظمة إرهابية، بينما لم تصنفها الولايات المتحدة الأميريكة كذلك، وهو ما دفع النظام في تركيا إلى اتخاذ إجراءات أحادية طالت عشرات الآلاف من المواطنين بتهمة الاشتباه بالانضمام إلى تلك المنظمة أو ووجود علاقات بها.
كما اعتبر أن لدى تركيا قانونا فضفاضا يتعلق بدعم الإرهاب، وقد استخدمته السلطات التركية لقمع حرية الرأي والتعبير.

وفي التفاصيل، أفاد التقرير المذكور أنه في أعقاب محاولة الانقلاب التي وقعت في يوليو 2016، صنفت الحكومة التركية حركة رجل الدين المنفي فتح الله غولن “منظمة إرهابية “، وقد أدى هذا التصنيف إلى استمرار عمليات الاعتقال والاحتجاز للمواطنين الأتراك وكذلك المواطنين الأجانب المقيمين في تركيا، بمن فيهم المواطنون الأميركيون والموظفون المحليون في البعثة الأميركية إلى تركيا، بسبب علاقات مزعومة أو وجود روابط بحركة فتح الله غولن.
إلى ذلك، اتهم التقرير السلطات التركية باعتقال الناس على أساس أدلة ضئيلة، مضيفاً أن المحتجزين يفتقدون للحد الأدنى من الإجراءات القانونية الواجبة.

طرد أو إيقاف أكثر من 130 ألف
—————————————-
موظف حكومي
——————-

وأضاف: “وفقًا لرئاسة الجمهورية التركية احتجزت الحكومة التركية 47778 شخصًا بحلول 11 ديسمبر. بالإضافة إلى ذلك، استمرت الحكومة في طرد الموظفين العسكريين والأمنيين والمدنيين من الوظائف العامة في 2018. وبحلول نهاية العام، كانت الحكومة قد طردت أو أوقفت أكثر من 130،000 مدني من الوظائف العامة. كما ألقت القبض وسجنت أكثر من 80،000 مواطن، وأغلقت أكثر من 1500 منظمة غير حكومية بسبب صلات مزعومة بجماعة فتح الله غولن منذ محاولة الانقلاب عام 2018
تجريم حرية التعبير
————————-
إلى ذلك، شدد التقرير على أن لدى تركيا تعريفا واسعا للإرهاب يتضمن جرائم ضد النظام الدستوري والأمن الداخلي والخارجي للدولة، تستخدمه الحكومة بانتظام لتجريم الممارسة المشروعة لحرية التعبير والتجمع.
وأوضح أنه وفقًا لأرقام وزارة الداخلية التركية، فقد أحالت السلطات أكثر من 7000 حساب على مواقع التواصل الاجتماعي إلى السلطات القضائية بسبب الدعاية المتعلقة بالإرهاب في إشارة إلى الدعاية ضد النظام.
كما تطرق التقرير إلى الجدار الذي تبنيه تركيا على الحدود مع سوريا، قائلاً: “واصلت تركيا بناء الجدران الأمنية على طول حدودها البرية مع سوريا وإيران. وبحلول شهر أكتوبر، كان قد تم الانتهاء من 91 من أصل 144 كيلومتراً من الجدران على الحدود الإيرانية، و805 من 828 كيلومتراً من الجدران المخطط لها على طول الحدود السورية”.

واشنطن وأنقرة..
*************
علاقات متوترة يؤججها ملف الأقليات
*****************************

توتر في العلاقات بين واشنطن وأنقرة
——————————
دخلت العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة مناخ الشحن على خلفية اعتراف مجلس النواب الأمريكي في 29 أكتوبر/تشرين الأول المنقضي بأن الأحداث المتعلقة بالأرمن في شرق الأناضول عام 1915 إبان الحرب العالمية الأولى كانت “إبادة جماعية”، فضلاً عن فرض عقوبات جديدة على أنقرة بسبب توغلها في شمال سوريا، باعتبار أن السياسة التي تتبنها أنقرة من خلال عسكرة الأزمة شرق الفرات ربما تقلب الأمور في سوريا رأسا على عقب، ناهيك عن تأثيراتها المحتملة على مسارات تسوية الأزمة.
ولم تكن قرارات الكونجرس وحدها كاشفة عن عمق التوتر بين البلدين، فقد خفف الرئيس دونالد ترامب قبل أيام من خططه للانسحاب من سوريا بعد رد فعل عنيف من الكونجرس، بما في ذلك الجمهوريين، الذين يقولون أن الانسحاب أعطى الفرصة لتوغل طالما هددت به أنقرة في من أكتوبر/تشرين الأول المنقضي ضد قوات سوريا الديمقراطية حليفة واشنطن في المعركة ضد تنظيم “داعش” منذ عام 2014.

عقوبات متنوعة
——————–
تحرك واشنطن لمعاقبة أنقرة بسبب تجاوزتها قديماً، واليوم ضد الأقليات ليس هو الأول من نوعه، فعشية بدء عملية “نبع السلام” العسكرية، هدد ترامب نظيره التركي بتدمير اقتصاد بلاده، وفي عام 2017 انتقد الرئيس الأمريكي الجديد حينها دونالد ترامب عمليات القتل التي تعرض لها الأرمن باعتبارها واحدة من أسوأ الفظائع الجماعية في القرن العشرين.
كما قدما عضوا مجلس الشيوخ اليندسي غراهام وكريس فان هولن مشروع قانون لفرض عقوبات صارمة على تركيا بسبب توغلها ضد الأكراد شرق الفرات في 9 أكتوبر/تشرين الأول المنقضي، ونص مشروع القانون الذي جاء بقيادة الجمهوريين على فرض عقوبات على المسؤولين الأتراك بسبب الغزو، كما يعاقب أنقرة على شرائها منظومة الدفاع الروسية S400.
أما العقوبات التي مررها مجلس النواب مؤخراً فقد اعترفت بمجاز الإبادة الجماعية ضد الأرمن، وتثير قضية الأرمن خلافاً بين تركيا وعدد من الدول التي وصفت مذابح الأرمن على يد القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى بأنها “إبادة”. فيما تقول تركيا إن الأحداث راح ضحيتها آلاف الأتراك والأرمن.
كما تضمنت فرض غرامات مالية وتشديدات على تأشيرات الدخول بحق مسؤولين أتراك لهم صلة بالتوغل شمال سوريا، وكذلك فرض عقوبات على وزير الدفاع التركي ووزير المالية ناهيك عن إعادة استهداف بنك “خلق” التركي، باتهامه مجدداً بالتحايل على العقوبات المفروضة على إيران من جديد، وحدد مجلس النواب الأمريكي جلسة استماع في الخامس من نوفمبر الجاري بشأن اتهام البنك بالمساعدة في مخطط غسل الأموال الإيرانية. أيضا تنص العقوبات الجديدة على حظر بيع الأسلحة إلى تركيا، وكذلك معاقبة الأجانب الذين يزودون القوات التركية في سوريا بالأسلحة.

آثار مؤلمة
————-
لم تخف أنقرة في كل مرة تتجه فيها واشنطن إلى محاولة ضبط السلوك التركي غضبها الشديد؛ إذ تتصاعد منذ أزمة القس الأمريكي برنسون في العام الماضي التصريحات والتصريحات المضادة بين البلدين على خلفية فرض واشنطن عقوبات على النظام التركي، ورفع تركيا مطلع عام 2019 من نظام الأفضليات التجارية.
غير أن عقوبات الكونجرس الأخيرة تمثل نقطة فاصلة؛ إذ وضعت العلاقة بين البلدين في مفترق طرق، وظهر ذلك في اعتبار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأمر “محاولة للانتقام من بلاده على خلفية إحباطها للمكائد التي استهدفتها في سوريا”. ووصف القرار المتعلق بمذابح الأرمن والاعتراف بها بأنه قرار “مخز” اتخذه من يستغلون التاريخ في السياسة.
وربما يفتح الاعتراف الأمريكي بمذابح الأرمن الباب واسعاً أمام مطالبة أنقرة بتعويضات مالية، ناهيك عن مطالب بإعادة الممتلكات الأرمينية، وهذا خط أحمر بالنسبة إلى تركيا يمس سيادتها وأراضيها. فالمسألة هنا تتجاوز التعويض المالي أو حتى ترميم بعض الكنائس الأرمينية والاعتراف بالحقوق الثقافية واللغوية، وتصل إلى المطالبة بالأراضي التي تعرف بأرمينيا الغربية، حيث جبل “أرارات” الذي يعد رمزاً وطنياً للأرمن، في المقابل فإن الاعتراف بمذابح الأرمن يمثل في جوهره إدانة للقادة الوطنيين الأتراك الذين أسسوا الدولة التركية، ويحتلون مكانة قومية كبيرة في وجدان الأتراك وأحزابهم على اختلاف مشاربها القومية والدينية واليسارية.
والأرجح أن ثمة تداعيات مؤلمة للتوجه السلبي للمؤسسات الأمريكية ضد تركيا، أولها أن هذا التوجه نحو مزيد من العقوبات على أنقرة، قد يسهم في توسيع دائرة الخلافات مع واشنطن، خاصة أن الكونجرس لا يزال يرى ضرورة فرض مزيد من العقوبات على أنقرة بعد اجتاحها مناطق شرق الفرات ناهيك عن ممارسة مشرعون أمريكيون ضغوطات متزايدة على إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لفرض عقوبات مشددة على تركيا بسبب شرائها منظومة الصواريخ الروسية S400. وقبل انتهاء عطلة الكونجرس في أغسطس/آب 2019 حضت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب في تغريدة على “تويتر” الإدارة الأمريكية على فرض عقوبات على تركيا، بسبب تسلمها الدفعة الثانية من منظومة الصواريخ S400.
في هذا السياق، فإن زيارة أردوغان المقرر لها 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إلى واشنطن، قد تكون أكثر توتراً، خاصة أن ثمة حجما كبيرا من الضغوط تتعرض لها المؤسسات الأمريكية لمعاقبة تركيا على إصرارها على تبني القوة الصلبة في أزمات الإقليم، وبخاصة في شمال سوريا، ومنطقة شرق المتوسط من خلال الإصرار على مباشرة عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة شواطئها، أو في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص التركية من دون اتفاقات قانونية لتعيين حدودها البحرية، وتحديد مناطقها الاقتصادية الخالصة ناهيك عن سعى أنقرة إلى عسكرة الأزمة في شرق المتوسط عبر مناورات أو تحرشات عسكرية بجيرانها .
على صعيد شأن، فثمة تداعيات متوقعة على الاقتصاد التركي بفعل العقوبات الأمريكية، وبدا ذلك في خسارة الليرة التركية نحو 0,2% من قيمتها أمام الدولار فور موافقة مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة على فرض عقوبات جديدة على تركيا بسبب توغلها في شمالي سوريا. وأصبحت “الليرة” الأسوأ أداء بين عملات الأسواق الناشئة خلال أكتوبر/تشرين الأول المنقضي.
وتعاني أنقرة أزمة اقتصادية غير مسبوقة، إذا فشلت كل الإجراءات الحكومية في محاصرة الأزمة والقفز عليها، حيث وصل معدل البطالة إلى نحو 13%، بينما قفز التضخم إلى نحو 15,5%.
ختاماً، يمكن القول أن ثمة تداعيات مؤلمة قد تترتب على العقوبات الأمريكية على تركيا، وأن فاتورة التوغل في شمال سوريا أصبحت باهظة المنطقة، وقد لا تعوضها المكاسب النوعية التي حققتها تركيا في عملية “نبع السلام”، خاصة أن جزءا معتبرا منها مرتبط باستمرار التفاهمات على الأرض مع روسيا فضلاً عن أن واشنطن لا تزال لديها القدرة على أن تكون ورقة ضاغطة في المشهد السوري، ولعل ذلك يفرض خيارات ضيقة على تركيا في علاقتها المستقبلية مع واشنطن، ويضعها في مفترق طرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى