الطاقه اليوم

النيل حق لا ينتظر تأشيرة

بقلم : شيماء إبراهيم

لم يكن النيل يومًا مجرد نهر تتدفق مياهه عبر الجغرافيا، بل كان روح مصر وسرّ وجودها منذ فجر التاريخ.

على ضفافه قامت حضارة لم تعرف الانقطاع، وظلّت المياه التي تسري في مجراه تسري أيضًا في وجدان المصريين وإحساسهم بالهوية والسيادة.

واليوم، في زمن المفاوضات المعقدة والضغوط الدولية، يعيد المصريون التأكيد على الحقيقة الأهم:

النيل حق تاريخي لا تمنحه واشنطن، ولا ينتظر تأشيرة من أي عاصمة.

 

منذ إعلان إثيوبيا استكمال بناء سد النهضة واستعدادها لافتتاحه رسميًا، تصاعدت المخاوف بشأن أمن مصر المائي.

ورغم جولات التفاوض الطويلة، ما زالت القاهرة تتمسك بموقف ثابت:

لا يجوز ملء أو تشغيل السد دون اتفاق قانوني ملزم يضمن حصة مصر التاريخية، والتي تمثل شريان حياة لأكثر من مئة مليون مواطن.

 

هذا الموقف ليس تعنتًا كما يصوره البعض، بل دفاع مشروع تدعمه مبادئ القانون الدولي، واتفاقيات تاريخية راسخة مثل اتفاقيتي 1929 و1959.

فالنيل بالنسبة لمصر ليس مجرد «مورد» يمكن التنازل عنه تحت ضغط سياسي، بل حق أصيل مرتبط بالحياة ذاتها.

وهو حق لم يكن يومًا بيد وسيط دولي ليمنحه أو يمنعه.

 

اللافت في الأشهر الأخيرة، أن بعض الأصوات الدولية حاولت تقديم حلول تبدو متوازنة ظاهريًا، لكنها في جوهرها تنتقص من حقوق مصر التاريخية، وتجعلها مرهونة بإرادة أطراف أخرى.

وجاء تصريح ترامب الأخير بأن الولايات المتحدة «مولت السد بغباء» ليكشف حجم التناقض في المواقف الغربية،

ويؤكد أن مصالح الدول الكبرى لا تعني بالضرورة عدالة القضايا الإقليمية.

 

ورغم كل الضغوط، بقيت القاهرة واضحة في رسالتها:

مياه النيل حق تاريخي لا تُقرره واشنطن أو غيرها، والنيل لا ينتظر تأشيرة أمريكية كي يصل إلى أرض مصر.

فكما لم تُفلح قرون من الغزاة في قطع هذا الشريان، لن تنجح أيضًا حسابات المصالح السياسية أو محاولات فرض الأمر الواقع.

 

ولأن معركة الدفاع عن حقوق مصر المائية لا تُخاض من الداخل فقط، فإن للمصريين في الخارج دورًا مهمًا يجب أن يتنامى ويُفعل.

فبصوتهم في المحافل الدولية، وعلاقاتهم بمراكز صنع القرار والرأي العام العالمي، يمكنهم كشف أبعاد الأزمة، وتصحيح الروايات المغلوطة، والتأكيد على عدالة الموقف المصري.

إن النيل لا يجري فقط في أرض الوطن، بل يسري أيضًا في ضمير كل مصري مهما ابتعدت به المسافات.

وحين تتكامل الجهود بين الداخل والخارج، يصبح الصوت المصري أكثر تأثيرًا، والحق أكثر قوة في مواجهة محاولات التجاوز أو فرض الأمر الواقع.

 

إن دفاع مصر عن النيل هو دفاع عن حق طبيعي وحياة شعب بأكمله.

وهو دفاع عن مبدأ أن السيادة الوطنية لا تُقاس بحجم المساعدات ولا تُقايض بالمصالح.

وكما ظل النيل رمزًا للصمود عبر التاريخ، سيبقى كذلك شاهدًا على أن حقوق الشعوب لا تسقط بمرور الزمن، ولا بضغط القوى الكبرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى