مصر: إيهاب محمد زايد
هل للأرض لسانا تدعي به النبوة؟ هل للحرمان كوخا يعود إليه المحرومين وسكاري ألم الفراق؟. نعم عندما يموت لك شهيدا علي أرضي تبقي دماءه زكية عطرة تنال القدسية وتربط أذهاننا بين الغربة والهجرة و سهاد وأحاديث نفس متي أعود. إن لكل المهاجرين يوما يزورون فيه الأرض إما أحياءا أو موتي لذا فمصر ليست مقبرة كبيرة للمغتربين بل هي الأمن المفقود بعد الموت هي ضمة الوحشة وهي ستار من النسيان والأمان يعيش ولا ينهار يحفظ الناريخ كما إن الأرض تحفظ الجثث تحللها نعم بكل قدسية وبكل عنوان مفقود تجد دليلا علي إن القلب ليس خاليا بل هو ذاكرة لا تنس من الأيام. عندما تمت الهجرة في حروب الاستنزاف خرج عبدالسلام من بيته مع زوجتة وأربعة أولاد ولد علي هذه القشعريرة من الأرض وهذه اللوحة التي توضع علي الجدران وهذه الموسيقي التي تطرب الأحزان بكل ضمة أذن تجد شهيدا وبكل لمسة وتر تجدا مصابا وهذه المشافي التي لا تعلم من الجريح ومن المجروح والدماء تزف البشري بالنصر لكن تهجير مدن القناة يجعلنا نسأل بين الرابط لعبد السلام ومن بعده أولاده وبين هذه المقابر علي أرض الاسماعيلية ضمامة من الجراح وإعتراف بأن الأمل بالعودة تاريخ نكتبه وأن عنواننا وإن تغير فإن المأوي بين الثري لا يشابة مأونا علي الثري. لذا فعبدالسلام سكن إحدي المدن بعيدا عن المدفعية وجنود العدو ومن فرط خوفة كان قريبا من القلب وهي المأمن والأمان عاصمة البلاد. عمل بكل المهن لكنه لم ينس الكرم وكذلك الطيبه برائحة هذه الأرض وعجينة الصلصال التي يتشك منها كل شيمة طيبة وكل شعيرة تخفي اغل والحقد وتبرز التسامح والنسيان. كان يفتح بيته كحاتم الطائي يجلس الناس يشربون الشاي وغذا ما جاعوا أكلوا . هذا العبق جمع الناس حوله ونظر الناس إليهم فوجدوا فيهم أصلهم وأصالتهم. رغم إنه لم يدعي النبوة إلا إنه واليا علي مشارف نبوة الحمد والأخلاق. عمل الجميع في أي مهنة تسد الرمق وتبني البيت وعليك أن يكون لك أرضا تسكن فيها وأرضا تموت فيها رغم التضحية فقد كبر الاولاد الأربعة وحصد الموت عبدالسلام في غربته لكن بقيع هذه العائلة لا يوجد إلا في أرض الشهداء المنسوبة للخديوي إسماعيل. فقد كبر الاولاد الأربعة وهم يودعون أباهم ينتشون من رائحة الأرض التي ولدوا فيها هذا هو الحي والميت ي ظلمة هذا الكون وهذا الاشراق الذب لا يصيب الا القلوب رغم ظلمة العيش وأنحدارها تكون هذه الأرض طارحة للصبر وهذه السلوي كطير يهاجر. نعم إلي مسافات قصيرة رغم أجنحتة المدببة لكن هذه الأرض تمسك بمخالبه فلا يستغرق بالغربة إلا برهة من الزمن فقد عاش أولا عبد السلام في معصم واحد وترابط واحد ولم تعصف بهم موجات الحياة من إنحدارات ضخمة أو جبال من الهم فستجد إن الله يعينهم ويعطيهم قدرة التحرك والصبر والثبات ورؤية عقل رغم هذا القلب الأبيض الا إنهم لا يعترفون من الشر هذا البيت الطائي لم تعصف به رياح الفقر ولا إعصار الحاجة رغم إنهم بأشدها وأفضلها وهم أغنياء من التعفف فالعفة سمة الكرماء والعفة في طابور حاجة تجعلك تستغني عن الالحاح. والذنب كل الذنب فمن ينسانا بكلمة تزيل الهم فهون معاون له لا يخفف أثرة. لذا عاش أولاد عبدالسلام في رباط ينغمسون بالناس فينسون حاجاتهم يعملون فيزيلون عنهم الحاجة ويصلون فلا يصابون بالذل ولا الهوان يعشقون الجيران فكان ثبات الأرض من تحتهم وكانوا لا يفشلون فلا يوجد ميراثا كبيرا يتنازعون عليه فلم يترك لهم عبدالسلام إلا سيرة عطرة وطيبة جعلت أيامهم كخف حنين. لم يستغرق الوقت كثيرا حتي مات إبنه الأكبر وتجمعت العائلة المترابطة فلا يزعزع الأمان الا عدو متسلط لا ينتسب إلي هذه الفصيلة من الناس فغزوهم من حاجتهم عبودية ورق بالعصر الحديث. إلا إنهم يأنفون هكذا الطيور عندما تجد فئرانا لا تعشعش ونهزها الأغصان رغم خروج براعم الأزهار. هذه النورات هي العودة لأرض النبوة المقدسة موت شهيد وميلاد طفل نربيه ليكون شهيد بجنازة شهيد هذه حكاية المدينة التي هجرت من فئر عدو في ستينات وبعض قليل من سبعينات القرن العشرين. هذه العودة الدائمة مع الموت يبقي ثلاثة من أولاد عبدالسلام مع الأم الرؤم التي تلبس ثياب بين البدو والحضر تنظر لأولادها وكأن المخاض مستمر تصرخ عليهم في قلبها من خشية الوحشة وهذه العيون التي تصور ذاكرتنا لتجعلها تبقي وتصبح خالدة للأبد نظرة موت من مناظير بن الهيثم لتصنع كاميرا الموت وتربوا إلي مرامها وهو مدينتها المقدسة وعندما تموت هذه الأم فلا تترك إلا كل عزيز ينضب حظة من نقصان أو نكران ،او تسمية تحكي البعاد فعدد الشهداء كثير علي كل حبة رمل تجد شهيدا يحرس هذه الشعوب المتعاقبة علي أرض نبوتهم. هذه الأحداث بكتب التاريخ لا تترك الا طابورا من معالم الشيم والقيم وهذه المقابر التي ندفن فيها أحياؤنا لا ندعي لهم النبوة ولا نصنعها لهم لكنهم ماتوا بفطرة سليمة أليس من جاء الله بقلب سليم هي تلبية لدعوة الله. كل طالب نبوة واهم وكل من يختارها كذاب إلا إنها منحة الرب للأرض والناس نعيش علي هذه المعالم ولم يتبقي من الأسرة إلا ثلاثة أبناء لعبدالسلام حاجتهم تجعلهم يضمدون جراحهم وعوزهم جعلهم ماهرون بأي عمل وأخلاقهم فتحت لهم قلوب العباد وعابري السبيل وأصحاب المهن والمصلحة فكانت شهرتهم الطبية ولا تجد لهم لوعة من تواضعهم فهم كالتراب يتخمر بالماء ليتشكل تبعا للحاجة وطبعا يؤسس للأقلمة فلم يطفروا من جلباب أبيهم بل حافظوا علي صلاوتهم فيه. ومدوا لها الجسور والحساب بلا وهن لكن دموعهم حاضرة عند الصعاب هذه قلة الحيلة التي تقهرنا لذا فلم ينزل الله السفينة لنوح بل علمه نجارة السفن لتكون تجلربة فكرية متوارثة لأبناءه وأتباعه يطورنها. وهذا الأيام التي توجد في سواد عيون أولاد عبدالسلام تسير بسرعاتها المتفاوتة علي الأبل مرة، ومرة تركب الأيام حصانا وكأن فارسا يقوده، ومرة أخري تسير كسرعة الطائرة والصوت حتي يأتي ضوء الفجر الجديد تزوجوا وأنجبوا وعندما أختارو أزواجهم جاءوا بهم من أرض نبوتهم التي تحمل عزتهم وكرامتهم. أحضروهم إلي أرض الهجرة والترحال رغم إن بين عيونهم أملا بأن يعودوا. لم يشغلوا أنفسهم بشكل الأرض ولم يستفزهم معارك أنحدار الأرض أو بيضاويتها أو بشكل دائرة. فلهم إسراء بين الأيام وفي موتهم يعرجون. أصبح لعبدالسلام إثنا عشر حفيدا من البنات والبنين فلم ينشغل أحدا بفقد المحبوب وهو بلادهم وابيهم لأنهم يعيشون في ذاكرة أولاد عبدالسلام فهم يقاومون كل مرادفات النسيان لما صبوا وشابوا عليه. إلا إن أولادهم لهم عظيم من التطلعات كثيرا
أحفاد عبدالسلام: لماذا أنتم فقراء؟
أولاد عبدالسلام في نظرة رضا واستكانه: لسنا كذلك
أحفاد عبدالسلام: أنتم تستمرؤن الفقر والهجر بل أنتم النسيان
أولاد عبد السلام: لم نكن إلا حزمة بوجه الريح وصرخة ضد القهر والطغيان
أحفاد عبدالسلام: ماذا صنعتم؟ ماهي ثرواتكم؟ وماهي أمالكم؟
أولاد عبدالسلام: كلمة طيبة علي أرض طيبة بسبيل أب طيب
أحفاد عبدالسلام: وهل أرضكم وكلمتكم هنا أم هناك علي أرض المقابر؟
أولاد عبدالسلام: هناك سلونا مع التاريخ وهنا حياتنا إلي الموت
أحفاد عبدالسلام: إذا لا عودة إلا مع الموت. هل تنظنوا أنكم تبعثون من جديد هل تظنوا إن الذين هجروا والذين عادوا والذين مكثوا يملكون مفتاح الجنان
أولاد عبدالسلام: هو تسليم الظن وإحسان الفكره وتطهير المشاعر ونبض الأرض في مهدها ورسخوا الأشجار بعلوها وهذه الخطاوي حين تموت نسلم بعهدها ونمشي علي ذكرها وتظل بيننا حياة فنكثر ودها. ظل الحوار يهدهد بينهما إلي أن تسلموا خيط من ألوان لشعاع صبح وهو الايمان بالأرض والعودة رغم طول السفر والهجرة. هذه اليمامات تطرد الغربان الفكرية التي تضلل خطوات أحفاد عبدالسلام ويتسلمون طهر الأرض ونبوتها، مقابر حكمتها وهذه المأثم من غزوها من كتف تركتها فعاش الجميع علي أغاني سليمان هذه المزامير التي تعزف الاخلاص.إلا إن الموت لم يتركهم فمات الابن التالي وعادوا به إلي الأرض النبوية المقدسة يحملون النعش في سيارة يركبها الجميع أولاد وأحفاد عبدالسلام تصالح الحاضر مع المستقبل يوفر الجدل في صناعة دستور المحبة وقانون الأخلاق. كانت قطرات الدمع تتطاير حولها ولم تأنس لها هذه الكثرة ولم يعود هذا الطير إلي عشه بعد فقد وضع البيض في بلاد الهجرة ووضع الجثث في بلاده المباركة. نحن نكتب التاريخ علي سنابل أقماحنا بيد الشقاء التي نفركها من جلد الصبر وهذه الأهازيج من الشعر نتركها عرف غناء للشعب القادم ليعيش علي مرأة يري بها ولا يهجرها فيضع البيض بأرض الهجرة ويضع الجثث في أرضه المباركة لذا فإن الخطبة للشعب أن تجمع بين البيض والجثث. كانت العائلة تتناقص فالأبن الثالث يموت ويعود إلي أرضه المباركة ويبكي الجميع من هذه النشرات من الموت رغم السلوي في موتهم إلا إنهم تذكروا أنهم علي باب الافتراق فما كان يجمع سبحتهم ينفك عنقود الذهب منها فلم يبقي إلا طيب النفس يربي الحمام فهو سمح المحيا ورحبا هذه هي ميراث أحفاد عبدالسلام. كان يودعون الجنازة كوداع نبي فارس عاد توا من المعركة شهيدا يحمل علي عربته وحصانه شهداء. هذه هي قضايان المعاصرة التي نختار منها القيم فلم يبقي الا الابن الأخير مع الأحفاد يكتب الذكريات عن سلالم صعو الجنة وهذا الرحيق وهذه الورده وهذه الأبيات من الشعر حين يغدر الغازي ويرسم بالدماء كالحنة. إلا إن القدر لم يمهله كثيرا فقد مات الأبن الرابع يودعه الأحفاد بنفس الترانيم وكتبوا قصائد الشعر وتغنوا لأبائهم وأجدادهم. سلام علي الحنة الخضراء، فيموت الهم والصعداء، سلام علي كل فكرة تنو من النماء للذكرة، سلام علي كل حال يعيش الصبر بالعطرة. سلام علي بلاد لم تنم يوما فيصاب ملابس أولادها العتة. سلام علي الحرص والحذر فلم يبقي فينا إلا صدق السبب والعلة. هذه النوايا الصادقة تجمل بين الشهداء والصدقين فلا تموت الأرض ولا تموت الذكرة. عاشت بلادي وأنا أفديها عاشت جنود لا تنس ولا ننسيها