التعليم
دوائر التعليم فى عصر التعليم عن بُعد
أد. فاطمة الزهراء سالم محمود مصطفى
أستاذ أصول التربية والسياسات التعليمية
كلية التربية جامعة عين شمس
من سوء حظ التعليم عن بُعد أن كُتب له الإنتشار، والشهرة الواسعة فى وقت الأزمات ،والجوائح. الأمر الذى أدى إلى إهدار هذا المدخل القيم للتعليم، ودوائره المتنوعة .
يعد التعليم عن بُعد من مُكملات التعليم المُعتاد الوجاهى أو ما نسميه وجهاً لوجه.
واتسم التعليم عن بُعد لدى البعض أنه المُنقذ لتفادى الممارسات الخاطئة التى تتم فى التعليم المُعتاد .
فى حين أن التعليم عن بًعد أضحى أصل التعلم منذ أكثر من ربع قرن؛ إذ تأسست الجامعة المفتوحة فى لندن عام 1969 على يد هارولد ويلسون ، مايكل يونج …، التى استهدفت تقديم تعليم مُدمج يهتم بتكوين المتعلم فى كافة المهارات المعرفية ، والمهارية ،والوجدانية .
وفى هذا النمط من التعلم يقع عبء التعلم الأكبر على الدارس، وليس المعلم أو المرشد أو الموجه، وإنما الدارس عليه أن يستقى التعليم من المكتبات ،والدوريات ،والبحث المستمر عن المعلومة، والإستجابة لمتطلبات الجامعة من التدريب ،والتعلم الذاتى ،وأداء التكليفات، واحترام القواعد الأخلاقية والسلوكية داخل الحرم الجامعى أثناء عملية التمدرس، وأن يطلب الدارس المساعدة من الأساتذة ،والمشرفين الأكاديمين ،وموظفى تكنولوجيا ،ونظم المعلومات ، كما على الدارس أن يبذل جهد لابأس به لزيادة المجموع التراكمى GPA كى يستطيع التخرج، والبحث عن وظيفة تليق بما تعلمه من مهارات داخل الجامعة من خلال مصادر التعلم المتنوعة التكنولوجية ،والمعملية ،والأكاديمية على يد الأساتذة، والمراجع المتنوعة، والرحلات العلمية، والزيارات الميدانية ، والمعارض ،والأنشطة الرياضية ،والفنية ،والعلمية، والندوات، والمؤتمرات وغيرها من الدوائر التعليمية المُكملة للتكوين الشخصى ،والعلمى للدارس.
وعلى الرغم من دوائر التعلم المتنوعة للتعليم عن بُعد التى تشتمل على المُتعة والإستثارة والبحث الذاتى، والتعلم المستمر إلا أن من الأهمية بمكان التأكيد على أن التعليم عن بُعد أحد أنظمة التعلم التى لا يمكنها أن تستقيم بمفردها، ولا يمكن أن تحقق نتائج مثمرة بمفردها رغم ثراء هذا النوع من التعلم بالعديد من المداخل التربوية والتكنولوجية القيمة جداً . هذا ما أثبتته التجارب الفعلية عند الإعتماد على التعليم عن بُعد بمفرده .
وإنما التعليم عن بُعد مكمل حيوى ،وضرورى لتكوين الشخصية الإنسانية. ويظل التعليم الوجاهى المُعتاد وجهاً لوجه أساس ،وأصل التكوين الإنسانى والعلمى، والتوجيهى والإرشادى.
لهذا فالمزج بين التعليم عن بُعد والتعليم الوجاهى هو ما يحدث نقلة نوعية متقدمة فى منظومة التعليم بشقيها قبل الجامعى والجامعى . وهذا ما أكدته وجهتى النظر المتفائلة والمتشائمة عن مسار التعليم عن بُعد، وأكدت العديد من الدراسات ،والمؤتمرات ،واللقاءات العلمية على أهمية عودة التعليم الوجاهى بنظم جديدة ، وطرق جاذبة للدارسين بنفس البرامج الشيقة ،والمُيسرة للتعليم عن بُعد.
وقد أكد علماء النفس على أن معدلات الإصابة بالإكتئاب والتوحد تزداد مع حالات الإغلاق الكاملة، والإبتعاد عن مُدرجات الدراسة، كما أن أول أنواع الذكاء التى يتمرسها المرء فى حياته هى الذكاء المكانى.
ورغم تنوع البرامج التكنولوجية الميُسرة للتعلم مايكروسوفت تيمز، وزووم، وويبكس، وجوجال كلاس رووم ، وجوجال سايتس، وغيرها من البرامج الزاخرة بالخيارات الإفتراضية المشوقة ،والجاذبة للمتعلم، إلا أن الدارس لازال بحاجة إلى من يوجهه، وبحاجة إلى مُراقبة شاملة من مسئولى التعليم للتأكد من إتمام عملية التعلم، وهو الأمر الذى يتعثر عند تواجد الدارس بصفة مستمرة داخل منزله دون تواصل مباشر بالمؤسسة التعليمية، وممارسة أنشطة حركية، ومعرفية، ومهارية، وعروض أمام أساتذته ،ومشرفيه الأكاديمين .
وتعددت الدراسات الأكاديمية التى أكدت على أن التعليم عن بُعد بمفرده غير كافِ من النواحى النفسية والعلمية ،والإجتماعية ،والثقافية للفرد والمجتمع على السواء، وذلك لأسباب كثيرة أهمها:-
-ضعف البنية التكنولوجية للطالب والمعلم أو الأستاذ أو المشرف الأكاديمى.
-ضعف الإمكانات المادية للدارسين فى مرحلة التعليم قبل الجامعى والجامعى.
-لازال الكثير من المُعلمين والأساتذة الأكاديميين غير مدربين على استخدام النظم التكنولوجية الحديثة.
-ينجم عن التعلم من خلال المنازل عن طريق التعليم عن بُعد أمراض نفسية مزمنة مثل الإكتئاب، والإحباط، والعنف ……
-يقل مستوى ذكاء الأفراد عند التعلم عن بُعد فقط دون ممارسات حركية ومكانية.
-بعض الأساتذة أثناء شرحهم للمادة العلمية يعتمدون على الإلقاء والمحاضرة، وهذا يؤدى إلى ضعف مشاركة الدارسين، ولا يتم تحريك حواس الدارس للتعلم، وإنما الإنصات فقط على مدار ساعتين أو ساعة فى كل محاضرة أون لاين الأمر الذى يفقد العملية التعليمية مضمونها ،وحيادها عن هدف التعلم ،وهو تكوين الشخصية المتكاملة .
-يحرم التعليم عن بُعد فئات كثير فقيرة مادياً أو تكنولوجياً ،وثقافياً من المشاركة فيه سواء دارسين أو أساتذة أو مشرفين أكاديمين، ومن ثم لا تتحقق عملية التعلم.
ومع القول بأن التعليم قضية أمن قومى، وأنه مسئولية الدولة ،والشعب على السواء وأن اللاعب الأساسى للتعلم هو الوعى التام بأن تقدم المجتمع رهن بتعلم أفراده ،وانشغالهم بأمور مفيدة لأنفسهم ،وللمجتمع على السواء فإن كلا المسارين لا غنى عنهما، التعليم الوجاهى التفاعلى الموجه ،والمرشد ،والمتابع ، والتعليم عن بُعد حيث التعلم الذاتى ،وترك مساحة للدارسين للتفكير ،والتعلم بمفردهم والبحث المستمر.
وعلى الدولة بذل قصارى الجهد للعمل على كلا المسارين كى يتفادى كل مسار عيوب المسار الثانى، ومن هنا يتحقق الهدف من منظومة التعليم، والتواصل الحيوى مع أهداف التنمية المستدامة داخل المجتمع.



