قانون الإيجار الجديد عدالة منقوصة أم تصحيح للمسار؟

بقلم :المستشار سيد لطفى
أثار صدور القانون رقم ١٦٤ لسنة ٢٠٢٥ بشأن بعض الأحكام المتعلقة بإيجار الأماكن وإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والاجتماعية، بين مؤيد يراه تصحيحًا لمسار تاريخي من اختلال التوازن بين المالك والمستأجر، ورافض يراه افتئاتًا على حقوق مكتسبة للغالبية من المستأجرين، دون توفير حماية اجتماعية حقيقية أو بدائل واقعية لهم، خاصة أن معظمهم من محدودي ومتوسطي الدخل.
لا يخفى على أحد أن العلاقة بين المالك والمستأجر بموجب قوانين الإيجارات القديمة تمثل واحدة من أطول وأعقد المشكلات القانونية والاجتماعية في مصر، وقد ظل الجدل قائمًا لعقود حول كيفية تسويتها بما يحقق التوازن بين حق المالك في الانتفاع بملكيته، وحق المستأجر في السكن الآمن والمستقر. وقد جاء القانون رقم ١٦٤ لسنة ٢٠٢٥ كمحاولة جديدة من الدولة لإعادة تنظيم هذه العلاقة، لكنه في الواقع – رغم ما يحمله من نوايا إصلاحية – أثار العديد من علامات الاستفهام حول مدى تحقيقه للعدالة بمفهومها الاجتماعي والاقتصادي.
بين مبادئ التوازن العقدي وتدخل المشرّع
لا شك أن العلاقة الإيجارية – كغيرها من العلاقات التعاقدية – تخضع لمبدأ “العقد شريعة المتعاقدين”، وهو ما يستتبع وجوب احترام شروط العقد، مع تحقيق التوازن بين طرفيه، وعدم الإخلال الجوهري بحقوق أحدهما دون مسوغ عادل.
وقد تركزت إشكالية الإيجار القديم تاريخيًا في نقطتين أساسيتين: أولًا: القيمة الإيجارية المجمدة منذ عقود رغم تغير الظروف الاقتصادية؛ وثانيًا: الامتداد القانوني للعقد بما يتجاوز نية المتعاقدين الأصلية، ويمتد لورثة المستأجر بشكل شبه دائم.
أولاً: القيمة الإيجارية… ضرورة المراجعة وإعادة التوازن
لا شك أن تثبيت القيمة الإيجارية لعقود طويلة دون مراجعة كان مجحفًا بحق الملاك٬ وأضر بهم خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية المتلاحقة وارتفاع معدلات التضخم. ومن ثم، فإن إعادة النظر في الأجرة ورفعها تدريجيًا يعد أمرًا مشروعًا يتماشى مع مبدأ إعادة التوازن العقدي. وقد أصاب القانون حين قرر رفع القيمة الإيجارية على نحو تدريجي وفقًا لمعدلات عادلة تتناسب مع القدرة الاقتصادية للمستأجر، دون أن تُحدث قفزات مفاجئة أو تضع حدًا أدنى قد لا يناسب ظروف جميع الفئات.
لا جدال في انه من المقبول أن تتدخل الدولة لإعادة التوازن عبر تعديل تدريجي للقيمة الإيجارية.
ثانيًا: مدة العقد.: هل تدخل التشريع في تحديد مدة لانهاء العلاقة الايجارية تدخل غير متوازن يخل بالاستقرار القانوني؟.
تدخل المشرع بإنهاء العلاقة الإيجارية بعد مدد محددة (5 أو 7 سنوات) رغم أن العقود أُبرمت في ظل قوانين كانت تتيح الامتداد، وأن نية المؤجر حينها قَبِلَت بذلك، بل واستوفى غالبًا مبالغ (خلو/مقدمات)
و تكمن الإشكالية الكبرى في أن عقود الإيجار القديمة، بحكم العرف والقانون، كانت تُبرم دون تحديد مدة معينة، ووفقًا لصيغة الامتداد القانوني. ولم يكن المالك عند التعاقد مغلوب الإرادة، بل كان يحصل على مقدمات إيجارية كبيرة كخلواو مقدمات ايجار تتناسب وقتها مع القيمة السوقية ، تعادل قيمة التنازل عن المدة أو التوازن الاقتصادي للعقد. وبالتالي فقد تعاقد برضا واطمئنان إلى القوانين السارية حينها.
ان التدخل التشريعي الحالي بإنهاء العقد بعد خمس أو سبع سنوات، مع طرد المستأجر لاحقًا، يمثل إخلالًا بالمركز القانوني القائم، وتجاهلًا لقاعدة “العقد شريعة المتعاقدين”، ومساسًا بمبدأ عدم رجعية القوانين. خاصة وأن المستأجر لم يخل بأي شرط من شروط العقد، وإنما التزم به حرفيًا طوال سنوات..
ولم يكن المستأجر هو من أخلّ بالتزاماته، بل التزم بشروط التعاقد، وبالتالي لم يكن من العدالة أن يُحمَّل وحده كلفة التغيير التشريعي، دون توفير بديل عملي أو حماية اجتماعية حقيقية.
ثالثًا: العدالة الاجتماعية.. أين حماية المستأجر؟
رغم ما يبدو من حرص القانون على تحقيق التوازن، إلا أن الحقيقة أنه جاء منحازًا لطرف واحد، هو المالك، وتجاهل الظروف الاجتماعية للمستأجر، لا سيما كبار السن وأصحاب المعاشات ومحدودي الدخل، الذين قد يجدون أنفسهم مهددين بالإخلاء دون بديل حقيقي.
ورغم النص على أولوية المستأجر في تخصيص وحدة من الدولة، فإن هذا الحق ظل مشروطًا وغير مضمون، مما يجعله حلاً نظريًا لا يرقى إلى مستوى الضمان الفعلي. وكان الأولى بالدولة أن تتدخل بشكل أكثر فاعلية لتوفير بدائل حقيقية، وضمانات سكنية عادلة قبل الإقدام على أي إخلاء.
ختامًا: نحو عدالة مزدوجة لا أحادية٬ عدالة حقيقية لا تتحقق بانحياز تشريعي
إن إصلاح العلاقة الإيجارية القديمة أمر لا خلاف عليه، لكن الإصلاح لا يكون بالقطيعة، بل بإعادة التوازن دون إخلال بحقوق مكتسبة أو تهديد للاستقرار الاجتماعي. ونري ان القانون رقم ١٦٤ لسنة ٢٠٢٥ أعاد الاعتبار للمؤجر، لكن على حساب المستأجر. وإن كانت الدولة جادة في تحقيق العدالة لا تعني أن ننصف طرفًا على حساب آخر، بل أن نبحث عن توازن حقيقي بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، بين حقوق المالك واحتياجات المستأجر. كان على المشرّع أن يُعالج الخلل في القيمة دون أن ينسف الإطار التاريخي للعلاقة الإيجارية، أو يُهدر الاستقرار الاجتماعي لملايين الأسر.
وبالتالي فإنها مطالبة بمراجعة نصوص هذا القانون وإجراء حوار مجتمعي حقيقي، يضع نصب عينيه أن العدالة لا تكون بعدالة طرف دون آخر، بل بتوازن شامل ومستدام.
وعليها ان تقوم بتوفير المساكن البديلة كما وعدت أول٬ ثم تجعل تاريخ الاخلاء وتسليم العين المستأجرة للمالك يوم انتقال المستأجر لمسكنة الجديد التي تعهدت الدولة بتوفيره بغض النظر عن مدة محددة فإذا توافر المسكن بعد عام او كثر او اقل يعتبر ذلك هو تاريخ الاخلاء وبالتي تتحمل الدولة جزء من هذا الإصلاح التي تسعي اليه وبحق٬ دون ان يتحمله المستأجر منفردا٬ ويكفي عليه زيادة القيمة الايجارية والتي أصبحت اضعاف ١٠ او ٢٠ ضعف المبلغ الحالي في بعض الحالات ومع زيادة سنوية ١٥٪.
وهذا لا يمنع اتفاقنا مع حالات الاخلاء الأخرى التي اذكرها القانون والتي لا تستوجب الحماية القانونية، بل تقدم مصلحة المالك علي المستأجر كما لوكان المستأجر يمتلك وحدة مناسبة٬ او ترك العقار مغلق لأكثر من سنة مع تحفظنا علي ورد النص علي اطلاقه هكذا دون تفسير لأسباب الترك.




